التهجير عن طريق التجويع: خطة المساعدات القاتلة الأمريكية تضع غزة بين فكي الاستسلام أو الحرب

كتب: مصطفى نصار
تعد خطة المساعدات الإنسانية فخًا متعدد الجوانب ، فهو غطاء إغاثي ذو صبغة أمنية متميزة ، و الدليل على هذا واضح كالشمس إذ أن تلك المنظمة ظهرت على الساحة في ولاية دلايمور الأمريكية في ٦ مايو يوم الثلاثاء تحت اسم مؤسسة أفريقيا للمساعدات الإغاثية تحت إشراف المحامي جيرمي ويتكلاف ، ثم ظهرت على الأرض يوم الجمعة ١٦ مايو لتغير اسمها لمؤسسة غزة الإنسانية ، و تعلن التزامها بتوزيع المساعدات في غزة .
و ما يزيد الموضوع ربية ، و احتيالًا الاتفاق الأمريكي الإسرائيلي على هذه الشرق بتصميم خطة داخلية مفادها توزيع الغذاء على أهل غزة من قبل قوات أمنية تابعة للمؤسسة متعددة الجنسيات ، متعمدة على طريقة وحشية إجرامية غرضها الأساسي تفريغ الشمال من بقية سكانه بشكل ممنهج و مخطط ، بعبارة أخرى تحولت المساعدات لمشروع أمني هدفه الأساسي حصرًا ليس الإغاثة بل العمل على التهجير ، و يتزامن مع الحملة الشرسة ضد إسرائيل للتجميل و غسيل سمعتها التي تحولت بها لدولة إرهابية ، أو مثلما يؤكد الباحث و الصحفي في مؤسسة مونودويس قسام معادي أنها خطة “مفخخة خبيثة” ، و مقدمة للتهجير الكامل الذي عجز عنه الاحتلال في مجاعة ممتدة لأكثر من ٨ أشهر.
و إمعانًا في الفجر و إجبارًا للاستسلام، هندست إسرائيل خطة التوزيع المجرمة بحيث تتضمن فقط ٤ نقطة مساعدات بدلًا من ٤٠٠نقطة خاصة بمؤسسات دولية و إقليمية أخرى على رأسها الأمم المتحدة، و منظمة غوث و تشغيل اللاجئين في فلسطين الأورنوا التي شنت عليها حرب ضروس ، و انقطع تمويل ١٦ دولة لها حتى يتمنى مفوضها العام فيليب لازراليني في الأخير أن يوجه قليل من الأموال المدفوعة لترامب في الخليج لصالح الأورنوا ، و هكذا تصمم المساعدات الإنسانية لتكون سلاحًا فتاكًا مثلها كمثل المجاعة التي قتلت أكثر من ١١٥ طفل حتى الآن .
و تزامن ذلك مع زيادة العمليات البرية في غزة ، و القصف الوحشي بوتيرة تعد الأكبر و الأعنف منذ شهور طويل ، مع استمرار عمليات الهدم للمنازل و الاستيلاء قسرًا على بيوت الشمال ، ما يجبر الشمال على المغادرة الأبدية للبيت ، و إن غادر ليحصل على المساعدات الإنسانية ما سيكتب له عودة له ، و ذلك لقلة عدد نقاط التوزيع فضلًا عن رسمها بدقة مدروسة ترسم نقاط التهجير ، و صناعة نكبة جديدة ، و لعل هذا ما جعل المجتمع الدولي و الإغاثي كاملًا يرفضها رفضًا قطعيًا بما فيهم منظمات حقوقية إسرائيلية مثل بنسالم .
يعكس هذا دوافع الدعم الأمريكي المستمر لتلك الخطة الخبيثة بأكثر من ١٠٠مليون دولار لدعمها ، مع الحرص على استخدامها باعتبارها مصيدة محكمة ذات دلالة واضحة بأن “من يوزع المساعدات هو من يملك زمام القطاع “كما وصفها الصحفي الإسرائيلي ناثان أوبنهايمر مع بورجين روزمان مؤلف كتاب جواسيس جدعون بشكل كارثي ، مع التوسع كذلك في الضغط على حركة حماس في المفاوضات لتكون بذلك المساعدات قاتلة كما أكد الصحفي الأمريكي جونا فاليدز ، مؤكدًا في تقريره الموسع عنها “أن رفض المجتمع الإغاثي و الإنساني أتى لرفضها بشدة “بسبب استخدامها كفخ لتحويل الجنوب و الوسط في القطاع المحاصر لتحويله لعلبة تونة مضغوطة .
مع التحويل الأمني للمساعدات من وسيلة إغاثية مفيدة لكارت ضغط على الغزيين أولًا ، من الضروري تذكر أن الخطة مجهزة من شهر ديسمبر ٢٠٢٣م ، حتى تنفذ عملية “مكبيه تل أبيب “الصهيونية لتثير مناقشات حيال المؤسسة ، و خاصة أن أسلوبها في التوزيع يعتمد على الحيونية المعتمدة للغزي عبر ترك عدة صناديق مساعدات إما في شوارع فارغة ، أو يعتمدون على توزيعها من خلف السياج الفاصل قامت ببناء الشركة المشبوهة لتحديد من يأخذ و يستحق ممن ليس بكذلك ، أي إنها تهندس للمجاعة ، مع السماح بالسمسرة مع العصابات لمساعداتها في التوزيع أو في سرقتها لبيعها في السوق السوداء ما يدفع للتساؤل المشروع عن سبب نشأتها و تمويلها الصادر و موظفيها و كيفية إدارتها أمريكيًا .
مؤسسة غزة الإنسانية:خطة تشكيل الموت و هندسة المجاعة
بصورة أكثر وضوحًا ،دشنت مؤسسة غزة الإنسانية بصفتها خطة عسكرية في ديسمبر عام ٢٠٢٣ في اجتماعات مجلس الحرب الإسرائيلية، مع موافقة تامة و دعم علني و كامل من المستثمرين الإسرائيليين قبل أفراد الحكومة اليمينة الأكثر تطرفًا في تاريخ الكيان ، و هي تطوير ملحوظ لفكرة المجاعة الكارثية في غزة ، لتتحول تلك المنظمة لمقدمة كارثية و خطرة على المجتمع الإنساني من الأساس ، و لإن وفقًا لهم ذلك لا يفيد ، و لا يجيد و غير مساعدة على حل الأزمة .
و هكذا ، اختير الطاقم العامل كذلك بمعايير مبنية على الولاء و الطاعة ، فتجاوزت بذلك تحذيرات المجتمع الدولي ، و ما يزيد الطين بلة مشاركة الولايات المتحدة بالإرادة بشكل شبه رسمي عن طريق تعيين أو إدارة مؤسسة يفترض إنها إنسانية إغاثية من ضابط استخبارات سابق ، و هو فيل رايلي ، و شارك في حروب العراق و أفغانستان فيما يسمى الإرهاب ، و لا تختلف الشركتان المشاركتان معه قيد أنملة في تشكيل مصائد ، و أفخاخ للموت ، و هما شركتي سيف ريتش سفتي ، و يونسفيال ريتش سفتي المدارة بالكامل من ضابطين استخبارات سابقين و هما جورج جوشوني ، و فيليب ماث .
أما عن آلية التوزيع ، فهو تعبير صارخ عن المهانة و الذل في أبهى صوره ، و أدق تفاصيله بدءًا من استلام المساعدات الإنسانية من الشاحنة التي لا تكفي إلا عشر المطلوب لإطعام أهل غزة ، مع فقدان للعناصر الغذائية الهامة و الأساسية مثل اللحوم و الخضروات و الفاكهة ما يعني أنها مساعدات لا تتضمن غير المعكرونة و المعلبات التي تحتوي على البيقوليات النباتية مثل اللوبيا ، و الفاصوليا التي تشتمل على سد الرمق ، فضلًا عن الموت الدائم و استخدام كبنوك أهداف ثابتة للطيران الحربي و العسكري .
فنتيجة ذلك ، فمات أكثر من ٢٧ شخص يومًا منذ تطبيق خطة المساعدات المشبوهة ؛ مع الدعم الكامل و الاستمرار فيها للتهجير ، مع التوسع المسيطر ، و إخلاء البيوت المدمرة و استهداف المخيمات المدنية و البديلة للوظائف الحكومية مثل الصحفيين ، و الأطباء ، ما جعل رؤية هذه العوامل المدمرة و الدنيئة قناعًا بحد تعبير الأستاذ المساعد في العلوم السياسية و العلاقات الدولية بيتريو ستفياني لتشكيل صور مختلفة من الموت الفوري ، و الإبادة الساعية بالتفاصيل على نهج سلطويات التطرف ، و اليمينة التي ارتكبت مجازر بشعة قائمة علي خوض الحرب الضروس على الشعوب المحتلة مثل نظامي النازية و الفاشية خلال الحرب العالمية الأولى و الثانية.
السير الحرفي على نمط السابقين : إسرائيل النازية تستدعي روح هتلر الوحشية في التجويع
حينما أعلن هتلر الحرب العالمية الثانية ، قام بهزيمة قوى الحلفاء شر هزيمة ، فقام بسياسة التجويع القسري لمدة تناهز العام و نصف العام على أكثر من ٤ مدن أساسية و هي لندن و باريس ، بالإضافة لمدينة ستوكلهم حتى استخدم مصطلح سياسة الجوع النازي باعتبارها مصطلحًا صريحًا على استخدام التجويع باعتباره أداة ضغط لإتمام النصر أو حتى صورته المزيفة المنطوية تحتها آلاف الجثث ، و ملايين الحكايات المؤلمة التي قال عنها المؤرخ أرنولد توينبي أنها”بربرية بدرجة تنم عن الوحشية الخالصة “.
و في هذا الصدد ، تؤكد الكاتبة و المتخصصة في شئون الشرق الأوسط سمية الغنوشي أن تلك الأساليب الوحشية صورة عام من الامتهان و نزع الكرامة فضلًا عن إعادة توجيه الضغط للضغط على الحكومات التي تدير شئون الدول المناهضة للنازية ، حتى قول ديفيد بوز مؤلف كتاب عار الجوع أن الجوع “لا يبني بل يعري “، قاصدًا بذلك التعرية القسرية للإفلاس الاستراتيجي و الأخلاقي الحقيقي للنازية التي عجزت عن إخضاع شعوب دول بأكملها فلجأت لإذلالها ، و كذلك كسرها حتى تلجأ لخيارين أمر من بعض فإما أكل بعضهم البعض أو إعلان الرضوخ بالكامل للاحتلال النازي في تلك اللحظة الانهيارية بشكل تام .
و عند مقارنة الخطة الإسرائيلية الخبيثة بالمجاعة النازية ، من المدهش أن هناك عدة تشابهات مؤكدة تصل لحدة التطابق ، فالسعرات الغذائية التي قدمت لليهود ٢٠%أما البولنديين ٧٠%، و الألمان ٨٠%، الأمر الذي حول المجاعة النازية لليهود المجاعة للإبادة التجويعية ، و كذلك الأمر الحقيقي الذي أعطاه ريتشارد دار وزير الغذاء آنذاك بالتوزيع المخصص للغذاء لليهود لغاية ما مات ربع مليون يهودي من المجاعة من إجمالي الهولوكوست أي من لم يموت في أفران الغاز ، مات جوعًا ، فضلًا عن سوء التغذية الممتد عبر أجيال متعددة لتخلق الصورة العامة للمجاعة النازية انعكاسًا لمنهج يوزع القمع و المعاناة الشديدة .
و هذا لم يتوقف بوقوف الحرب ،إذ استعان هتلر بالمجاعة كورقة ضغط قوية ، لفعل ما لم تستطيعه القذائف فعله و إعلان فوزه بالحرب ، أو كما قال جيمس والتز في كتابه صياغة الشر :الهولوكوست نموذجًا للطبيعة البشرية “فيما يقال ، الهولوكوست بجزئه الأكبر كان مجاعة عملاقة “، و في هذا السياق يجب الانتباه للمجاعة كسلاح فتاك يهوى بقوة المرء لأدنى أصنافها و درجتها ، و يحوله لجسد بلا قوة ، عظام بلا حمولة ، و أيضًا لهدف سهل المنال للموت سواء أكان في التكيات الغذائية أو و هو يحمل كيس الطحين على ظهره ، فقط كجزء من اكتمال سياسة الجدار الحديدي .
و لهذا ، أخذت إسرائيل جوانب عديدة من النازية برغم بناء أسطورتها الأخلاقية بأنها دولة اليهود التي عانت من اضطهاد فظيع ، لكنها في الواقع أنها اشتاقت لميراث الأجداد في حقهم بالسيطرة و الاحتلال ، لتصدق النبوءة البلاغية باسحاق دوتشر في كتابه المسيحي غير اليهودي التي أكد فيها أن إسرائيل هنا نموذج “ينتهج نهجًا مشابهًا “للاتحاد السوفيتي في عصر ستالين و لينين ، و أيضًا سيغلق التاريخ أبوابه عليها بأسوء طريقة سجلها التاريخ الحديث ، سائرة على طريق السلطويات الحديثة ، و على رأسها النازية حيث تبخر نظامها في الهواء بعد انتحار هتلر.