
بقلم / محمـــد الدكـــروري
اليوم : السبت الموافق 7 سبتمبر 2024
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيى ويميت، وهو على كل شيء قدير، القائل في كتابه العزيز ” يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب علي الذين من قبلكم لعلكم تتقون” وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين حق قدره ومقداره العظيم، أما بعد إن من مفاتيح رحمة الله تعالي هو إتباع الكتاب والسنة، فإن إتباع كتاب الله تعالي هو الخير كل الخير، والسنة لا يصح إتباع الكتاب إلا بإتباعها لأنها شارحة ومبينة للكتاب، وكما أن من مفاتيح رحمة الله تعالي هو رحمة الخلق، فكيف تريد رحمة الله وأنت لا ترحم عباده، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم.
“الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء” وإن المؤمن لا يكون مصدر إيذاء أبدا، وإلا ففي إيمانه نظر، قيل لرسول الله صلي الله عليه وسلم فلانة تقوم الليل وتصوم النهار ولكنها تؤذي جيرانها؟ قال صلى الله عليه وسلم “دعوها إنها من أهل النار” ومن ادعى الإيمان وهو يؤذي الخلق ويفزعهم فهو كاذب “من لا يرحم لا يُرحم” وأولى الناس برحمتك ولينك وعطفك اقرب الناس منك اهلك وأولادك، فإذا ترحلت الرحمة من المجتمع، إنقلب المجتمع إلى مجتمع غابه، يأكل القوي فيه الضعيف، وتداس في الحقوق، ويشكو الوالد ولده، وتشكو الزوجة زوجها، والقضايا المتراكمة في المحاكم تشهد بذهاب خُلق الرحمة بين الناس، بل لقد أخبرنا الصادق المصدوق صلي الله عليه وسلم “أن امرأة بغيا رأت كلبا في يوم حار يطوف ببئر.
قد أدلع لسانه من العطش، فنزعت له بموقها، أي أنها استقت له من البئر، والموق هنا هو الخف فغُفر لها” رواه البخاري ومسلم، فإذا كانت الرحمة بالكلاب تغفر الخطايا للبغايا فكيف تصنع الرحمة بمن وحّد رب البرايا؟ إن النفوس الطيبة لا تألف الشقاق ولا تنسجم معه، بل تعده بيئة ملوثة بعيدة عن الصفاء، نافرة من النقاء ولذلك فهي لا تستظل إلا بأفياء الطهر، ولا تأنس إلا بنسائم الأخوة ولا ترتاح إلا بين مروج الحب وأزهار الود ولذلك فإنك ترى أحدهم لا يقر له قرار حينما تعصف بالأحبة عواصف الشحناء أو تهب عليهم ريح البغضاء، وسوف تراه كحمامة السلام لا تهجع إلا بعد أن تعيد إلى القلوب ألفتها وإلى النفوس صفاءها فيا برد فؤاد المصلح بين ذات البين، ويا لطيب خاطره الشفوق.
فإن ثمرة هذه الحديقة مرضاة من الله وأجر عظيم، فابدأ صلحك بين أخويك بالدعاء أن يشرح الله قلبهما لهذا الخير، فإن الله تعالي يقول “والصلح خير” وقرّب بين وجهات النظر وقلل من شأن نقاط الاختلاف وتودد لهما وأخبر كل واحد منهما بمحبة أخيه له وأنه لا يحمل في قلبه عداء أو حقدا عليه ولو كان ذلك بالكذب، فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول ” ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فينمي خيرا أو يقول خيرا ” رواه البخاري، وإصلاحك بين أخويك صدقة فلا تنس أن تحتسب الأجر فيها فهو سر التوفيق ومفتاح الإصلاح وسبيل القبول فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول ” كل يوم تطلع فيه الشمس، تعدل بين اثنين صدقة” متفق عليه.