د. أيمن صابر سعيد يكتب: ليس دفاعا عن طه حسين (2)

قد يتعجب القارئ -بعد سرد حيثيات الشكوى المقدمة ضد طه حسين- ويأخذ موقفا عدائيا، من بداية معرفتهم بأنه تعرض للدين الإسلامي بالإهانة أو الإساءة- كما ذُكر، فالكثير من الناس، وإن لم يكونوا محافظين على شعائر الدين الأساسية، فإنهم يرفضون هذه الإهانة، ويطالبون بمحاسبته وعقابه أشد العقاب، والحق كل الحق معه، ولكن ما حقيقة الأمر، هل حدث هذا أم لا؟ وهناك طرف آخر يقرأ ويحلل ويناقش بروية وحسن ظن في فكر طه حسين، ثم يصدر رأيه ويتحدث عن قناعاته ورأيه الشخصي.
وما دام الأمر يجرى تحت رعاية النيابة؛ فقد أصبح الأمر خارج وجهات النظر أو الرأي الشخصي أو الهوى، ولا بد أن يبنى على سند قانوني، وهنا الأمر كله أمام رئيس نيابة مصر محمد نور، والقرار قراره، في قضية تاريخية أدبية نادرة ومهمة- ودينية من وجهة نظر الشاكي- وسيبنى على الحكم فيها أمور أخرى.
ومما تجدر الإشارة إليه أن هذه القضية لم تكن هي الأولى من نوعها في صراعات طه حسين وصداماته؛ حيث سبقها أزمة كتاب “تجديد ذكرى أبي العلاء”؛ إذ تقدم أحد أعضاء الجمعية التشريعية بطعن في هذا الكتاب، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد فحسب، بل وصل إلى اتهام طه حسين بالإلحاد، والمطالبة بحرمانه من حقوق الجامعيين، وسحب شهاداته وإجازاته الدراسية،
والغريب في الأمر أن ثلاثة من أئمة علماء الأزهر الشريف قد أجازوا هذا الكتاب للدكتوراه، ولكن جذوة هذه الأزمة أخمدها “سعد زغلول” الذي كان رئيسًا للجمعية التشريعية آنذاك؛ حيث استدعى صاحب الطلب، وأقنعه بسحب طلبه؛ لأنه يسيء إلى الجامعة المصرية وإلى الأزهر معًا، وبذلك يصبح الصراع مع طه حسين قديمًا حديثًا، ومستمرًا ثابتًا، ولا يختلف إلا اسم الموضوع، وكأن هناك من يترصده في تأليفه وبحثه.
والآن نسرد حيثيات الاتهام المقدمة ضد طه حسين في نقاط، في ضوء ما ذكره رئيس نيابة مصر، في ذلك الوقت، وما نشره في كتاب على نفقته الخاصة، وتتمثل في:
الأول: أن المؤلف أهان الدين الإسلامي بتكذيب القرآن في إخباره عن إبراهيم وإسماعيل؛ حيث ذكر في ص ٣٦ من كتابه: “للتوراة أن تحدثنا عن إبراهيم وإسماعيل، وللقرآن أن يحدثنا عنهما أيضًا، ولكن ورود هذين الاسمين في التوارة والقرآن لا يكفي لإثبات وجودهما التاريخي؛ فضلًا عن إثبات هذه القصة التي تحدثت بهجرة إسماعيل بن إبراهيم إلى مكة، ونشأة العرب المستعربة فيها، ونحن مضطرون إلى أن نرى في هذه القصة نوعًا من الحيلة في إثبات الصلة بين اليهود والعرب من جهة أخرى” إلى آخر ما جاء في هذا الصدد.
الثاني: ما تعرض له المؤلف في شأن القراءات السبع المجمع عليها والثابتة لدى المسلمين جميعًا، وأنه في كلامه عنها يزعم عدم إنزالها من عند الله، وأن هذه القراءات إنما قرأتها العرب حسب ما استطاعت، لا كما أوحى الله بها إلى نبيه على لسان النبي- صلى الله عليه وسلم.
الثالث: ينسبون للمؤلف أنه طعن في كتابه على النبي -صلى الله عليه وسلم- طعنًا فاحشًا من حيث نسبه، فقال في ص ۷۲ من كتابه: “ونوع آخر من تأثير الدين في انتحال الشعر وإضافته إلى الجاهليين، وهو ما يتصل بتعظيم شأن النبي من ناحية أسرته ونسبه في قريش. فلأمر ما اقتنع الناس أن النبي يجب أن يكون من صفوة بني هاشم، وأن يكون بنو هاشم صفوة بني عبد مناف، وأن يكون بنو عبد مناف صفوة بني قصي، وأن تكون قصي صفوة قريش، وقريش صفوة مضر، ومضر صفوة عدنان، وعدنان صفوة العرب، والعرب صفوة الإنسانية كلها”.
وقالوا إن تعدي المؤلف بالتعرض بنسب النبي -صلى الله عليه وسلم- والتحقير من قدره تعد على الدين، وجرم عظيم يسيء إلى المسلمين والإسلام، فهو قد اجترأ على أمر؛ إذ لم يسبقه إليه كافر ولا مشرك.
الرابع: إن الأستاذ المؤلف أنكر أن للإسلام أولية في بلاد العرب، وأنه دين إبراهيم؛ إذ يقول في ص ۸۰: “أما المسلمون؛ فقد أرادوا أن يثبتوا أن للإسلام أولية في بلاد العرب كانت قبل أن يبعث النبي، وأن خلاصة الدين الإسلامي وصفوته هي خلاصة الدين الحق الذي أوحاه إلى الأنبياء من قبل»- إلى أن قال في ص ۸۱: “وشاعت في العرب أثناء ظهور الإسلام وبعده فكرة أن الإسلام يجدد دين إبراهيم
، ومن هنا أخذوا يعتقدون أن إبراهيم قد كان دين العرب في عصر من العصور، ثم أعرضت عنه لما أضلها به المضلون، وانصرفت إلى عبادة الأوثان”… إلى آخر ما ذكره في هذا الموضوع.
وهذه النقاط تحتاج إلى نقاش طويل، ولا يتوقف الأمر عند حد النقاش، ولكنه يتسع عن ذلك؛ حيث إن كل نقطة تحتاج إلى مؤلَّف أو مؤلَّفات، وفيها نقاط علمية متخصصة، فماذا فعل رئيس نيابة مصر، في ذلك الوقت، في هذه الاتهامات، وما ردود طه حسين عليها؟ (وللموضوع بقية)