اخبار عالمية

كمائن الموت :إحكام حزب الله على إفشال خطط الاحتلال الإسرائيلي في لبنان

كتب: مصطفى نصار

انتصار الأسود في أرضها :أصعب يوم مر في تاريخ إسرائيل لهزيمته المدوية .

تسلل جنود إسرائيل للضاحية الجنوبية، يوم الاثنين ٣٠ سبتمبر ، في محاولة منهم لتنفيذ أوامر بنيامين نتنياهو ، و ذلك يأتي بعد يوم و نص من إعلان حزب الله رسميًا اغتيال السيد حسن نصر الله. و تلك المحاولة اعتبرت أول محاولة لاجتياح لبنان ظنًا منهم بإنهيار الحزب و تفككه بعد اغتيال القادة مثل علي كركي قائد قوات الضاحية الجنوبية ، و إبراهيم عقيل قائد قوات الرضوان الخاصة المطلوب من الولايات المتحدة منذ عام ١٩٨٤ بعرضها مكافأة مليون و نص دولار لمن يدلي بمعلومات عنه .

لم ينفذ الاحتلال الإسرائيلي توصيات الخبراء و حلفائه الذين حذوره أن هزيمة حزب الله مستحيلة لعدة عوامل منها كثرة جنود الحزب ، و تقدمه العسكري و الاستراتيجي من حيث تقدم الأسلحة . و من أبرز تلك الانتقادات ٣ مقالات أحدهما للجنرال الإسرائيلي المتقاعد إسرائيل ملكا الذي قال بوضوح في إسرائيل اليوم “يجب على نتنياهو أن يستمع لحلفائه قبل أعدائه بعدم دخول لبنان “، بسبب بالتأكيد ضعف الدفاعات الإسرائيلية ، و أن الإسرائيلي في لبنان قد يكون وسط غابة لا يعرف مجاهلها ، و هو بالفعل ما تحدث عنه الخبير السياسي و أستاذ العلاقات الدولية في جامعة جورج وانشطن راجون مينون أن إعطاء الشخص مطرقة لا تعني تمكنه كل مرة من استخدامها، و “أن نتنياهو سيفشل في لبنان بطريقة أكثر فداحة مما حدث في غزة”.

و بالفعل ،انهزم الجيش الإسرائيلي المدحور عبر عدة عمليات مكنت حزب الله من رد الإسرائيلين عن رغبتهم في الاجتياح البري ، و لكبر العمليات و ضخمتها طلب المتحدث العسكري دانييال هاغاري من الإعلام عدم نشر أي شيء يخص المعارك مع حزب الله. و للمفارقة، فضح من حجم الجرحي المحتجزين في مستشفى زيف و صفد بمديتي يافا و صفد المحتلة ، ووصل عدد القتلى ل٨ ، بينما عدد الإصابات لمئات الإصابات، و تفجير ٣ دبابات ميركافا ، فضلًا عن الكمين المركب في بلدتي العدسية و مارون الرأس الذي أسفر عن موت ١١ و إصابة العشرات من لواء جولاني الذي فقد مكانته العسكرية و سمعته الاستراتيجية وسط الجيوش الدولية .

و ترتب على تلك الضربات القاضية عدة أمور أولها تأكيد تحذيرات الأصدقاء و الصحافة الدولية لرئيس وزراء الكيان بنيامين نتنياهو عبر تقارير كثيرة مثل تقرير نيويورك تايمز و وانشطن بوست الذين اتفقا على أن حزب الله لديه القدرة و الكفاءة من خلال السنوات الذي قضاها منذ حرب ٢٠٠٦ لزيادة عداده العسكري ، و بالتالي لن يتأثر بموت الصفين الأول و الثاني من القادة ، بل على العكس ستهزم إسرائيل هزيمة حتمية مما يجعلها أمام تحد حقيقي حدها الانتصار النهائي أو الهزيمة الكاملة .

و إهمال إسرائيل أيضًا لعناصر في الردع الأمني و استراتيجتها العسكرية التي انهارت في السابع من أكتوبر قد علم حزب الله فشل الاحتلال الإسرائيلي في القتال بريًا ليس فقط لعدم تدريبه و لكن لما يسمى بالجغرافيا العسكرية geomilitary techniques ، و التي يطبق فيها المثل الشائع بالدراجة المصرية “مطرح ما يدق النجار مسمار هو عالم به ، فادي العيش لخبازه “، أو كما تنبأ الخبير الاستراتيجي و المراسل العسكري كريس هيجدز هزيمة إسرائيل على الدوام في الشرق الأوسط. كنتيجة مبررة ، فوز حزب الله يرسم بحتمية لا لعداده العسكري، و إنما لعلمه الواسع و المعرفة الشاملة للجغرافيا .

بين متناقضين :الاستراتيجية العسكرية بين إسرائيل و حزب الله.

وضع المؤسس و الرئيس الأول لدولة الاحتلال الإسرائيلي ديفيد بن غوريون أسس للاستراتيجة الدفاعية و الهجومية على أربع أسس . و تلك الأسس تتمثل في الآتي الحسم السريع و القدرة على المواجهة الخاطفة و شل العدو ، و كذلك المحور الرابع المتمثل في الانتصار القصير و السريع . و نحجت تلك الاستراتيجية العسكرية في معركتي ١٩٤٨ ، و نكسة ٧ يونيو ١٩٦٧ ، فتحولت لعقيدة عسكرية لجيش الاحتلال.

في المقابل ، بنى حزب الله استراتيجيته القتالية على مزيج من المواجهة المباشرة الممزوجة بالعقيدة
، فتكون لديه عقيدة عسكرية أكثر صلابة و متانة مكنته من تحقيق انتصارات متتالية منذ ١٩٨٩ إلي ٢٠٠٦ ، فضلًا عن تلقنه العسكري و الاستراتيجي من معارك و مقومات حماس في غزة على مدار عام كامل مما جعله أكثر خبرة و خصوصًا مع امتلاكه أسلحة و خطط استراتيجية و أنفاق أكثر تعقيدًا و صعوبة من غزة ، ليضع الاحتلال في اختبار شاق و محدود الاختيارات .

و من أبرز المتناقضات كذلك بين الاستراتيجتين هي الانتشاء على أبسط و أهون الانتصارات ، فعلى سبيل المثال خرج رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو ليقول بنبرة مغرورة متعجرفة نحن لسنا بيت عنكبوت ، بل نحن أوتار فولاذية لاغتيال السيد حسن نصر الله. و ما ظنه و انتشاءه الزائف إلا و تحول لانتكاسة و حسرة كبيرة عليه بالمعارك المتتالية الذي انتصر فيها الحزب على قوات الاحتلال الإسرائيلي ، بينما تعتمد الاستراتيجية الما بعدية (ما بعد الحرب)على رؤية واضحة و سليمة و متأنية تأتي بعد التأكد من رفع شر العدو و دحره على أرضه أو حتى أرض العدو ، في تلك الحالة العدو الإسرائيلي.

و تكثيف الاحتلال الإسرائيلي لأخبار قتل القادة جزء من استراتيجيته الحربية ، ببث روح الانهزامية و الإحباط في الحزب، و إيحائهم بتفككه و انهياره ، مما يهز الروح المعنوية بداخله ، و آخر تلك الأخبار اغتيال النائب للمجلس القيادي هاشم صفي الدين، لينفى في نهاية المطاف على يد الإعلام العبري نفسه و على رأسهم صحفية معاريف و هآرتس .

و عطفًا على ما سبق، استراتيجية حزب الله ركزت على محورين أساسين ، الأول الارتماء في السرية و التكتم التام الذي يخفي التفاصيل الدقيقة الخاصة بالحزب و الثانية تتعلق بمدى مرونة الحزب في التعامل مع العقيدة العسكرية و السياسية لباقي الأطياف على أرضه، مما أعطاه حضانة شعبية و حصانة داخل أرضه . و لعل هذا ما قوى كلمته ، و منع الاحتلال الإسرائيلي من هدمه عبر حرب الجواسيس المزورعين بداخله .

و بالإضافة لما سبق ، المعطيات السابقة تؤكد باختصار شديد أن إسرائيل فاشلة استراتيجيًا ليس فقط لفشلها العقيدة العسكرية ، ولكن ممارستها لسياسة متطرفة هدفها فقط خدمة أجندة و أهداف اليمين القومي الديني ، و إبقاء نتنياهو على رأس السلطة، و بالتزامن مع خلافات شديدة و تولى الحكومة الأكثر تطرفًا منذ أن زرع الاحتلال في المنطقة، و اعتبار أن المنطقة مستباحة لهم حتى إيران . مما يطرح سؤالًا جوهريًا باحتمالية قيام حرب عالمية ثالثة تبيد ما يسنح لها بذلك و يبقى الآخرون كما هم متفرجين .

و تعبر تلك الرغبة المجنونة بديمومة الحرب و استمراريتها باعتبارها أفضلية عن الإفلاس و قرب نهاية المستعمر تاريخًا ، فحينما يقوم الاحتلال الإسرائيلي بمواصلة هجماته و توسيع رقعة الصراع حتى إيران فإنه بصدد انهيار عسكري و استراتيجي شامل لم ير له مثيل إلا في العمليات الفردية ، و حرب ١٩٧٣ . و ذلك تصديقًا للنبوءة المنقولة عن الدكتور عبد الوهاب المسيري أن كلما زاد عنف المستعمر اقتربت نهايته ، و على أكثر الترجيحات توازنًا بعدم سماح الولايات المتحدة بدخول تلك الحرب لإنها ستكبدها خسائر مريرة عبر الدعم في تلك الحرب العبثية باعتبارها الجبهة الأكبر و الأهم للاحتلال الإسرائيلي، لكن يظل احتمالات ذلك التنبؤ متأرجحة بين حدوثه و عدمه .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى