اخبار عالمية

الطب ثم الرئاسة بالصدفة المحضة فالحرب الأهلية.. بشار الأسد من التوريث للجوء في روسيا

في أصولية الاستبداد و الغزو.. الدرس الخلدوني الذي أغفله الجميع و تحقق

كتب: مصطفى نصار
عاش العلامة المغاربي عبد الرحمن بن خلدون في القرن الثالث عشر الميلادي الموافق الثامن الهجري ، في زمن ماج بالصراعات والاضطرابات الشديدة ، فبناء على ذلك قام باستخلاص الدروس و العبر في مقدمته الشهيرة مقدمة التاريخ، التي درس فيها أحوال المجتمع المسلم سياسيًا و تاريخيًا و اجتماعيًا بشكل مفصل جامع يكاد يعكس الواقع المعاصر بكافة تفاصيله و مآلاته و عوامل الانهيار و التطور التقدمي المبني على لبنات و معايشات الواقع المعاش ، مما يزيد فرصة العودة إليها للتعلم منها و البناء على منهجيتها العلمية لتفادي الأخطاء الكارثية التي غرست فيها الدول العربية حاليًا قبيل السابقة .

فالمقدمة مليئة بالمواضيع الحيوية التي تغطي كافة التفاصيل و العوامل الهدامة ، و المطورة للدول و الأفراد من العصية ، مرورًا بالحقد ، و نزع الأنسنة من الأفراد لتسهيل قتلهم ، أو تعذيبهم ، أو رؤيتهم ككائنات أقل من البشر كالحيوانات مثل الكلب ، و الصراصير ، و الحشرات الوضيعة ،مما يحدث تقسيمَا اجتماعيًا حادًا قد يتحول لتصدع متناحر أو حرب أهلية مثلما أفرد لها ابن خلدون فصلين بذكر فيها بعيوب و تداعيات القانون عند غياب الوازع الديني أو الأخلاقي ، فيتأسس قانون الحمية على أسس كالهوى أو الشحن العاطفي أو المصلحة الأنانية ، فاتحًا الطريق للبناء المتصاعد للجور و الظلم المشتبك و العام ، موجهًا الدولة الشرعية لدولة الهوى، و يطرح خيارين أمام نهاية الدولة”ذات قانون الفراغ، كما أسماه المفكر كمال القصير في كتاب “ما لم يقله ابن خلدون ” إما بالغزو الأجنبي أو الانهيار الخرابي بحد تعبير ابن خلدون .

عطفًا على ذلك ، فإن الطغيان يؤدي بالحتمية للتفتت و الانقسام المجتمعي، مما يحول نوع المحيط التي نعيش فبه للدولة المنهكة و المهلكة ، و هي دولة كما يعرفها السيد نقيب العطاس في كتابه تطبيق ابن خلدون أنها الدولة التي تعمل على محورين الإنهاك المستمر و التدمير المتواصل ، و تتسحيل فيها الحياة الطبيعية لما لها معوقات نفسية و اجتماعية . و ذلك أن الحياة نفسها تصير متعبة و مرهقة نفسيًا فضلًا عن المراقبة الدائمة حال الاعتراض أو الرفض ،فتعاقب بعقوبات مخزية أو مجحفة ، فتكون نهايتها الطبيعية كما رسمها ابن خلدون بمقولة مقتضبة مختصرة “الطغاة يجبلون الغزاة”، لما يملكه الطغيان من تداعيات مدمرة داخلية مركبة ذاتيًا ، و لإن الطغيان بتعبير العطاس “مقوض للقيم و المبادئ الأخلاقية “. فينتهي الإنسان بذلك مهدور الحقوق فاقد الأماني منتزع الانتماء و الإيمان لعدم تحققه مراده من الأرض.

و عند التطبيق الفعلي عن سورية الأسد ، نجد أنه مطبق كل الأساليب و العوامل الإنهيارية ، من التكويع للتبريرات للعبودية ، و الأهم و أعمق أسلوب هو المعادلة البسيطة للطغيان لجلب الغزو و الخراب السريع للأوطان ، فسورية دخلت مدار العنف ليس بسبب الطائفية رغم أنها سبب صريح لكنها دائرة من وسط سلسلة متكاملة الأطراف للوحشية المنظمة ، بالإضافة للصراع الاجتماعي عبر الإفقار و السحل و التعذيب ، فضلًا عن الاستحقاقية التأليهية من قبل الطاغية .

و لتكتب نهاية كل ما سبق ذكره ، كما يؤكد باحث الحرب الأهلية البروفسور ستانثس كالفياس في كتابه منطق العنف في الحرب الأهلية ، بالسقوط المدوي للدولة قاطبة في دوامة العنف غير المبرر حتى لحظة انتصار فصيل على آخر .

بشار الأسد …من الطب للهروب الديناميكي

ولد بشار حافظ الأسد في محافظة حلب لعائلة كبيرة تتكون من ٥ أفراد آنذاك ، و له ٣ أخوة أحدهم يكبراه بسنتين و هو باسل الأسد و الأخرى بشرى الأسد٩ب٣ سنوات ، في شهر يونيو ١٩٦٣ م ، و تربى تربية مرهفة مدللة آثرت على شخصية الطاغية في شبابه، فطبعته بطابع الأنانية و سهولة التحقيق الأهداف له .

درس في دمشق من الإبتدائية للجامعة ، حاصلًا على بكالوريوس طب العيون عام ١٩٩٨ ، و سافر بعدها لانجلترا لإكمال دراسته بالأكاديمية الملكية للعيون بلندن ، و عاد مسرعًا لسورية دون أن يكمل الدراسة بسبب وفاة شقيق باسل الأسد الولي لعهد الجمهورية آنذاك في حادث سير غامض في عام ١٩٩٦ .

و بمجرد عودته ، سافر إلي لبنان في فبراير من العام ١٩٩٩ ليقابل رفيق الحريري قبيل ٥ أشهر من وفاته ، مخبرًا إياه بالنبوة المتحققة على يد المعارضة السورية يوم الأحد الماضي ٨ ديسمبر ٢٠٢٤ بسقوط نظام الأسد بطريقة متسارعة و درامية ، ليقف أمامه منذهلًا مستخفُا بكلامه حول أمر خيالي من الأساس في ذلك العصر نظرًا لما شهدته سورية من طفرات اقتصادية و اجتماعية تبعد احتمالات سقوط النظام أو مسه لانتهاجه سياسيات قمعية بوليسة بشتى أنواعها ، من قمع و تنكيل و سجن لأتفه الأسباب و العلل ، و بالطبع الاختفاء القسري الممنهج و اتخاذ السجون و أقبيتها مقرات انتقامية للمعارضين ، و بناء دولة الخوف كما وصفها ديفيد أنجلاند و ديورثي زبنجوولد في مقال لصحفية الفاينشيال تايمز البريطانية .

و هكذا تحققت السيطرة الكاملة و وهم الاستقرار الدائم حتى موت حافظ الأسد في فبراير من العام ٢٠٠٠م لتولي بشار الحكم بالتوريث عن أباه بالصدفة المحضة من نفس العام ، بعد ترقيتين استثنائيتين لرتبة عقيد ، و عدل له الدستور في تعديل تاريخي لتوفيق السن القانوني في أقل من يوم كامل ، مما يعتبر التعديل الأسرع في التاريخ الحديث بشكل عام .

ظلت سورية الأسد هادئة و مستقرة ، لاستقرار المجتمع و قوة الاقتصاد و التعليم، و قلة نسبة البطالة ، و تحقق الاكتفاء الذاتي من شتى السلع و المنتجات ، حتى اشتعلت الثورة السورية في مارس ٢٠١١م ، فكان من المستبعد على عقل الأسد حدوث الثورة من الأساس ، فضلًا عن استحالة حدوث الحرب الأهلية، لكن غبائه و عنهجيته و فرعنته الفارغة عجلت بدعوة روسيا و إيران و تركيا ، و حولت سورية لمسرح مفتوح لعدة قوى دولية ، و قسمت سوريا لأكثر من ١٥ جزء ، مستخدمًا لإجهاض الثورة العديد من الأسلحة المحرمة و غير المحرمة مثل غاز الأعصاب و الفورسفور الأبيض و الكيماوي المشع .

تركت تلك الأسلحة الكيمائية آثارًا مدمرة، و عدة جرائم ضد الإنسانية و البشرية ، و العديد من المجازر البارزة و الدالة على إجرام و تجبر و وحشيته الفاجرة مثل مجزرة حي التضامن و مجزرة الغوطة ، بالإضافة إلى آلاف عمليات الحصار كحمص في ٢٠١٥ ، و اليرموك في ٢٠١٣ ، مخلفًا الآلاف من الشهداء البالغ عددهم ٦٨٤ ألفًا .

و مخلفًا أكبر أزمة نزوح إنساني و سياسي عبر التاريخ الحديث ، حيث نزح أكثر من ١٢ مليون خارج سورية ، بينما نزح أكثر من ٣ ملايين معظمهم من النساء و الأطفال ، فضلًا عن مئات الآلاف من المعتقلين في عدد سجون يتراوح بين ١٣ و ٢٠ سجن سيئة السمعة ، منها المسلخ البشري صيدنايا المكون من ٧ أطباق ، ٥ منهم تحت الأرض ، و الذي يخصص له مقال مطول لتوثيق البشائع و المجازر و الأهوال ، و أبسطها الموت دون تعذيب أو الاغتصاب الممارس ضد النساء ، مكونة صورة بشعة و مقيتة من ٥٣ عامًا من القهر و القمع الوحشي و الجبار ، مما أدى لتحويل سورية لجحيم مؤلم في الحياة العادية سواء من ممارسات الخارج أو الداخل ، لإنهما كليهما سجن مفتوح الفرق بينهما فقط الحجم و السعة بين سجن أكبر و أصغر .

شنت المعارضة السورية المسلحة بقيادة هيئة تحرير الشام، المقادة من أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني )عملية ردع العدوان ، التي حررت الشام في غضون ١٢ يوم فقط من حكم بشار الأسد المستغرق ربع قرن ، و سقوط آل الأسد من السلطة التى حكمت ل٥٣ عام ، ملقيًا مصير يناسبه من لجوء إنساني بعد هروب سياسي تم بالتنسيق مع عملاء المخابرات الروسية .

فلا بقاء للأبد ، و مصيرك كطاغية ضيق و محدود ، و إن دام الخوف ألف عام ، فهو لزوال حتمي كما يقول د. إمام عبد الفتاح إمام في كتابه الطاغية .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى