الدكتور مصطفى رجب يكتب: أيامي السابقات ( 1)
كنت ألقي محاضرة بدار المعلمين بمدينة ( طهطا) صيف عام 1982 ، وكان رحمه الله من بين الضيوف الذين يستمعون إليَّ ، تصافحنا وجلسنا بعض الوقت عقب المحاضرة ، ثم عاد هو إل القاهرة حيث يعيش … وتصادف بعدها بعدة أسابيع أن سافرت إلى السعودية للعمل محاضرا للنحو والصرف في كلية المعلمين بأبها بالمنطقة الجنوبية ، وفور وصولي أقمت في فندق ، فالدراسة ستبدأ بعد يومين ، وكنت في أحد هذين اليومين قد تشوقت جدا لرؤية الصحف المصرية التي يتحتم أن أراها يوميا ، فسألت عن ” كشك ” يبيع الصحف وذهبت إليه ، وهناك كانت المفاجأة ، كنت قد التقطت نسخة من جريدة الأهرام وأحذت أبحث عن تاريخ صدورها ، وفوجئت بمن يقف عن يميني ويدس رأسه في الصحيفة مثلي ، ففوجئت مفاجأة شديدة إذ رأيت ذلك الرجل الكريم الذي كنت معه قبل عدة أسابيع في ندوة طهطا !!
عندما عرف مني أنني أقيم في فندق ، أخذني في سيارته إلى الفندق ودفع الحساب وطلب منهم إخلاء طرفي وأخذني معه إلى بلد قريب يقيم فيه ، دخلت معه شقة بها ثلاث غرف يقيم هو في واحدة منها وفي الغرفة الثانية يقيم شخص كان موظفا بهيئة الكتاب ، وفي الغرفة الثالثة يقيم مهندس زراعي من أرياف الدقهلية ..
كان الثلاثة منعزلين في الأكل والشرب ، نعم : يشتركون في استعمال ثلاجة واحدة لكن لكل واحد منهم نصيبه الخاص به ، ولكنهم يشتركون في شراء جريدة ” الأهرام ” يوميا : يشترون نسخة يقرأونها ، ثم يقسمون أوراقها ثلاثة أقسام ( في اليوم التالي) ليستعملوها فيما يشاؤون !
بقيت عند هذا الرجل قرابة أسبوع ، وتسلمت عملي في الكلية ، لكنني أسافر نحو خمسة عشر كيلو متر يوميا من تلك البلدة ( خميس مشيط) إلى ( أبها) حيث تقع الكلية . وبعد هذه المدة اقترح ذلك الرجل الكريم أن أبقى معه في حجرته ( وهي الأوسع والأكبر) فاشتريت سريرا ودولابا بلاستيكيا صغيرا وأقمت معه ..
كان الثلاثة يستغربون أنني أشتري ( الأهرام ) يوميا ، و ( الأحرار ) أسبوعيا كل يوم اثنين و ( الأهالي) كل أربعاء ، و ( الحقيقة وأخبار اليوم ) كل سبت وأأحتفظ بتلك الصحف بعد قراءتها !! كانوا يرون في ذلك إسرافا وتبذيرا غير معقول ولا مفهوم ..
وكنت من وقت لآخر أتجول في المكتبات فأشتري بعض المجلات أو الكتب التي أراها مهمة …. وكانوا ينبهونني إلى أنني في آخر العام سأدفع كل دخلي لو حملت كل تلكم الكتب والمجلات والصحف معي إلى مصر … ولكنني كنت تعرفت إلى زملاء مصريين بالكلية وكان منهم رئيس قسمنا ( قسم اللغة العربية) الدكتور محمدين يوسف ( الدمياطي) وعرفت منه أنه يسافر بسيارته ويمكنه أن ينقل لي معه مخلفاتي تلك الورقية …
ونستكمل لا حقا ….