الجر الممنهج للحرب أم الاستنزاف الطويل: سينايورهات الحرب المحتملة في لبنان
كتب: مصطفى نصار
الخطوط العريضة للمواجهة الشاملة : تأريخ المواجهات بين حزب الله و إسرائيل.
اجتح الجيش الإسرائيلي لبنان ليلة الاثنين الماضي ٣٠ سبتمبر ٢٠٢٤ ، بعد انسحاب الجيش اللبناني مسافة ٥ كم متر ٢ ، في تصعيد غير مسبوق، بعد أنباء من عدة صحف أجنبية بإرسال رسالة الجيش الإسرائيلي عبر دول عربية عدة مثل ول ستريت جورنال ، مع إغفال الوضع الاستثنائي و الفريد لقدرات حزب الله القاتلية و العسكرية الذي اكسبته خبرة عميقة بالمواجهة مع الاحتلال الإسرائيلي، أو كما أوضح نعيم قاسم نائب حزب الله أن قدراتهم قوية و متينة .
بدأت قصة بناء خبرات حزب الله العسكرية و القتالية في أثناء الحرب الأهلية اللبنانية من عام ١٩٧٥ ل١٩٩٩
، و الاجتياحات الثلاث من إسرائيل للبنان الذي حاول فيها مرارًا القضاء على الحزب دون أي نتائج تذكر أو لها تأثير ملموس على الحزب ، بل إن تلك المعارك الفاشلة مع حزب الله قد جعلته قوة إقليمية فعالة تحظى باحترام و تقدير الشعوب العربية. و هذا ما نجده جليًا في الذاكرة الإسرائيلية عبر عدة مذكرات على رأسها أرئيل شارون و رأفائيل إيتان الذين وصفا الحزب بالخطورة و الضروارة و تمثيل معادلة يصعب التعامل معها ، و هذا ما ثبت بالفعل عبر ٤ انتصارات متتالية لحزب الله.
و تلك الانتصارات المثبتة بدأت في عام ١٩٧٣ عندما أرادت إسرائيل القضاء على المقاومة الفلسطينية و اللبنانية المتمثلة في حزب الله، لكن ما حدث هزبمة خارقة للطبيعية في لبنان لهم ، مع استشهاد ٣ من قادة المقاومة الفلسطينية.
و أثناء الاجتياح الأول للبنان عام ١٩٦٨ ، انتصرت المقاومة الفلسطينية و اللبنانية المتمثلة في حركة أمل و المقاومة و الجيش الأردني بقيادة مشهور الجازي ، و بنتيجة مذهلة ، هزمت القوات الإسرائيلية في ٦ ساعات هزبمة مدوية ، و غير ذلك من استراتيجية الردع الأمني و العسكري لدى إسرائيل استعدادًا للمعارك القادمة .
و قامت كذلك معركتين أثناء الحرب الأهلية ظنًا من القوات الإسرائيلية أن القضاء على حزب الله سيكون يسيرًا وسط زخم الحرب ، فاستعانت بحافظ الأسد بعد أخذ أذنهم لاجتياح لبنان كذلك. و نتيجة لذلك، قتل أكثر من ١٢٠ ألف أغلبهم بسبب الحرب و اجتياح حافظ ، فضلًا عن مئات الآلاف من الإصابات الخطرة ، الأولى تصفية الحساب التي تهدف لقيام إسرائيل بالقضاء النهائي على حزب الله، و استمرت شهرًا من ١٠ يونيو ل٣١ يوليو ١٩٩٣ . و أما الثانية فتتمثل في عملية سماها الاحتلال الإسرائيلي بعناقيد الغضب ، التي ترتب عليها مجازر و مذابح بحق المدنيين مثل مجزرة قانا عام ١٩٩٦ .
و انتقلت المواجهة لمستويات أعلى و أكثر تعقيدًا، حينما عقدت إسرائيل العزم على خلق منطقة عازلة وراء نهر الليطاني ، فقمت بعملية عسكرية في لبنان لعزل عناصر المقاومة اللبنانية بحسب زعمهم لكون الحزب خطرًا عليها من ناحية الجنوب ، فغزت لبنان مجددًا عام ١٩٩٨ ، لكن ما حدث هزبمة أدت بالجنود الإسرائيلين للخروج و الجري بالملابس الداخلية من لبنان لإسرائيل .
و المواجهة الأهم و الأكبر بالنسبة لحزب الله حرب ٢٠٠٦ التي دافع فيها عن غزة من الاحتلال الإسرائيلي ، فقذف ما لا يقل آنذاك عن ١٠٠صاروخ ترتب عليها حرب ضروس استمرت ٣٤ يوم من ١٠ يونيو ل١٤ أغسطس ٢٠٠٦ ، مات خلالها ١٣٠٠ لبناني و أصيب ما يترواح بين ٦٠٠٠ و ٨٠٠٠ لبناني ، مما جعل حزب الله يكتسب شعبية جارفة ، و يتحول لقوة ممانعة إقليمية له حاضنة شعبية قوية ، محولًا كذلك حسن نصر الله لبطل قومي و اكتسب العديد من الألقاب على رأسها السيد و صادق الوعد .
استعداد باء بالانهيار :انحدار هدف نتنياهو بالشرق الأوسط الجديد .
في يوم ٢٧ سبتمبر الماضي ، صرح بنيامين نتياهو رئيس وزراء دولة الاحتلال أن يد الاحتلال تستطيع أن تمتد في أي منطقة حتى إيران . و في نفس الوقت ، أعلن بعدها مباشرة من غرفة الفندق في نيويورك إشارة البدء لاجتياح لبنان دون أن يدرس بنية حزب الله العسكرية
فتوهم بعد تفجير أجهزة البيجر أنه أحدث خللًا عميقًا ببنية الحزب الداخلية ، فضلًا عن نفس الظن الساذج بالقضاء على الحزب بقتل الصف الأول و الثاني المجلس القيادي.
عطفًا على ذلك، تحطم الاستعدادات الحقيقة للتجهيزات العسكرية من تقارير الأمن الإسرائيلي و زرع الجواسيس من سوريا نتيجة دخول الحزب بجانب بشار في عام ٢٠١٢ . و من أهم التقارير الصادرة كدليل ميداني تقرير لرئيس أركان الجيش السابق غازي آيكزونت و هيم حادون مدير قسم الأمن العسكري و الاستراتيجي الذي أكدا فيه أن المواجهة المباشرة و اقتحام خطوط العدو نظرية أمنية لتحقيق النصر و الفخر العسكري ، و لا سيما ربك العدو و هز صورته الذهنية و هيكله السياسي و الإداري .
مخالفة لما خطط له ، جاءت ضربات حزب الله مهددة للاحتلال عسكريًا و سياسيًا ، فركز على ضرب مخازن الأسلحة القريبة من الحدود و القواعد العسكرية ، مثل رامات ديفيد و مطار بن غوريون ، فكثف الاحتلال الإسرائيلي هجماته منتهيًا بتحطيم قواعد الاشتباك بالاجتياح الرابع للبنان يوم الاثنين الماضي ٢٩ سبتمبر .
و تزامن هذا الاختراق إعلان الاحتلال عن أهدافه المعلنة ، و تكمن في عودة المستوطنين للشمال فضلًا عن القضاء على حزب الله . و تتعدد الأهداف الخفية لتلك الخطوات في أربع أهداف مختلفة ، و هي تتراجح بين ترحيل الحزب بنقل تمركز خلف نهر الليطاني، أو خلق منطقة عازلة عليه بسيطرة قوات دولية على الحدود ، أو ضربه حتى يترك كالخرقة البالية ، أو احتلال جنوب لبنان بأكمله لضمان عدم تجدد الحزب و استمراره مجددًا .
و ذلك لتغافل الاحتلال الإسرائيلي خبرة الحزب التي اكتسبها من حماس في خلال عام في إدارة حروب الاستنزاف أو قدرته الهائل على جر الاحتلال بطريقة ممنهجة و مدروسة ليقوضه بهزيمة مدوية . و لعل هذا ما دفع آرئيل شارون يصف الحزب في مذاكرته “محارب :سيرة ذاتية”بالخطر المراوغ و المتشابك الثابت .
و يكفي كمية الاشتباكات الدائرة حاليًا أرضًا و جوًا حتى يعلم الهدف الحقيقي لحزب الله من حرب استنزاف طويلة ، على الأغلب لجعله ينزف و يزيد الهجرة العكسية و يزعزع أركان المجتمع الصهيوني و يفتح عليه جبهة أخرى لن يتمكن من الخروج منه إلا محطمًا مشرذمًا محدورًا مثلما حدث في غزة .