السند الوحيد و العدو الصعب في إيقافه :استمرار حرب الغرب على اليمن

كتب: مصطفى نصار
حرب الغرب على اليمن، منذ نوفمبر ٢٠٢٣م ، أعلنت اليمن الممثلة في القوات المسلحة المدعومة إيرانيًا و جماعة أنصار الله الحوثي المكونة و الممثلة في الشيعية اليزيدية عن حملة إسناد لغزة تتمثل في استهداف السفن الإسرائيلية أو الأجنبية التي تتوجه لمساعدة إسرائيل تجاريًا أو مدها بالمون المطلوبة لتعويض النقص أو تخزين المنتجات الأساسية و السلع الجوهرية التي لا تستغني عنها مثل الطعام و الشراب و مستلزمات البناء و الأخشاب ، الأمر الذي أظهر أزمة جديدة غير متوقعة التي أطلق عليها فيما بعد “أزمة ملاحة البحر الأحمر ” ، ترتبت عليها عدة عواقب وخيمة للتجارة العالمية ، و الإسرائيلية خاص
الأزمة المعرقلة عالميًا : اليمن تصنع أزمة ملاحة عالمية لإسناد غزة
عالميًا ، أثرت اليمن السعيد بدعمها الهجومي على السفن الداعمة في شقين ، خسائر السفن الكبرى و شركاتها مثل السفينة مونيك ، و كذلك في عمالقة التجارة العالمية مثل مستيك التي اضطرت مجبرة لتغيير طريق التجارة العالمية من قناة السويس لرأس الرجاء الصالح ما يعني بالضرورة تزايد وتيرة التكاليف المدفوعة بدافع الأمان ،مما مثل صبغة تجارية خاسرة عنوانها الأول “لن تمروا من هنا إلا عند فك حصار غزة “، و بالطبع استهين بالتهديدات اليمينة و دوامها كما ذكر تقارير من الجارديان في مقال الهيئة التحريرية في ديسمبر ٢٠٢٣م
لم تتوقف العواقب القائمة على التجارة العالمية بشكل مباشر ، بل تمددت لأبعاد أخرى مست الاحتلال الإسرائيلي اقتصاديًا بتخفيض العمال في المواني و أعمال الحاويات بنسبة ٣٢%، مع إفلاس سريع و مدوي لميناء إيلات بشكل كامل ، غير الخسائر الفادحة لقناة السويس التي وصلت تقديراتها ل٦٥%، ما شكل صدمة اقتصادية لدى الكيان دفع رئيس ميناء إيلات جدعون ليفانت بالقول أن الميناء لم يشهد أي إيرادات أو مدخولات نقدية خلال الأشهر الماضية ، ما دفع الاحتلال لسد النقص و محاولات تعويض للجميع انتهت بزيادة العجز التجاري بنسبة ٦،٤% عما قبل الحرب الإبادية.
من أجل تلك الأضرار ، حاولت دولة الاحتلال الرد ببؤس و إفلاس بمجرد قصف اليمن ، فقامت بعدة غارات جوية منذ بدء الحرب الإبادية في آخر شهرين وصلت لعدد ١٠ غارات شهريًا ، أي وصل ل٢٠ غارة في آخر شهرين من عام ٢٠٢٣ ، ما دفع الاحتلال للهدوء النسبي معها محاولة الاستعانة بالغرب لإيجاد حل حقيقي لمشكلة اليمن في الملاحة ، و بالفعل جهز الغرب نفسه ، و على رأسهم أمريكا و بريطانيا لشن غارات متتالية متفرقة منذ يناير ٢٠٢٤ دون جدوى لتأجل للتحالف سويًا في يناير من هذا العام فقط لمحاولة ردع اليمن و كبح الجبهة اليمينة.
فتحت اسم حلف الازدهار ، كونت أمريكا و بريطانيا حلفًا غرضه المعلن الحفاظ على حركة الملاحة و التجارة الدولية ، و بالتأكيد الغرض الحقيقي للأمر منع الحوثي باعتباره تهديد متزايد على إسرائيل أولًا ، و الغرب ثانيًا و كذلك ردعهم سيرسل رسالة لإيران عبر حليفها القوي في اليمن ، لكن الدعم الشعبي للغارات و المسيرات اليمنية أعطاهم دفعة لإكمال الدعم و المساندة القريبة ، عبر إرسال عدة مسيرات انتحارية و صارويخ دقيقة مثل صاعد و رعد و قاهر التي وصلت في نوفمبر الماضي لمقر رئيس الوزراء الإسرائيلي في بنيامنيا المحتلة ، و ألغي مجموعة من اجتماعات الأمن و الاستراتيجية المناقشة للخطط الحربية ٧ مرات على مدار ٦ أشهر فقط.
الانتقام الجغرافي.. فشل ردع الجبهة اليمنية ينم عن جهل و عدم إلمام بالطبيعة الجبلية
يطرح الكاتب و أستاذ علم السياسة الأمريكي روبرت كابلان فكرة استثنائية تنطوي على أن الإلمام بطبيعة المكان جزء لا يتجزأ من السياسة الحربية لأعداء الولايات المتحدة على مدار تاريخها الممتد مطلقًا عليها وصف دقيق “انتقام الجغرافيا “، و هو ما لا تقوى عليه القوى العظمى لإن أهل الأرض أدرى و أحق بها خالقة بذلك معادلة مفصلية يغلب فيها الأقوى لجهله “المتحمور حول التقنيات الجغرافية “حتى مع امتلاكه لأشد الأسلحة تطورًا و فتكًا بالآخر.
تتمدد تلك الفكرة الفريدة من نوعها عبر تاريخ الحروب كافة ، مرورًا بمختلف الأماكن المختلفة ذات التضاريس الجغرافية المتنوعة و التي انتهت جميعها لنتيجة وحيدة تجزم بالخسارة الفادحة للقوى الاستعمارية سواء بكبر أو صغر مساحة الأراضي ، فلجأوا ، جميعهم لاستمرار الحرب على المستضعف لمحاولة كسره أو على الأقل تراجعه بوتيرة قليلة ، ليتمكن من خلالها من فرض شروطه و التزاماته بالحديد و النار ، و لهذا يعد هذا هدفًا مستحيلًا في حد ذاته ليس لتكلفته الباهظة فحسب ، و إنما لإن المكمن الأساسي للقوة العسكرية هنا تنبع من صاحب الأرض نفسه ، و تعد فيتنام و أفغانستان و غزة و اليمن أوضح أمثلة معرية للقوة العسكرية الغربية.
في فيتنام ، حاولت ٣ دول كبرى احتلالها ، مع الحرص على الاستمرارية فيها فاحتلتها فرنسا ل٥٠ عام من الفشل و الإخفاق لعدم استيلائها على إقليم بيان ديان فو الواسع من المقاومة الفيتنامية التي أذاقت أمريكا ، و فرنسا طيلة قرن و نصف من ١٨٨٥ ل ١٩٩٨ حتى الاستقلال النهائي على يد الفيتكونج ، مستخدمة الروابط الجغرافية و المعنوية ، لتحويلها السهول المبسوطة لأنفاق و كمائن مفخخة ، و بالنسبة للجبال الشاهقة و الوعرة حولها لمصانع و مخازن أسلحة ، لتنجح بتحويل الساحة غير المعلومة لساحة مفتوحة من الحرب العمياء و لعل تلك الصورة ما أجبرت ثعلب الخارجية الأمريكية هنري كسيجنير يعبر بعبارة مؤجزة قبيل شهرين من وفاته أن “حرب العصابات لن تخسر فيها “.
من فيتنام نستقل الطائرة لكابول تلك المدينة العصية على الانحناء و الخنوع للغرب ، استخدمت طالبان الجبال الوعرة ، و كذلك الصحراء الواسعة التي هدمت أسطورة الإرهاب الإسلامي ، ما دفع الأمريكان لزيادة وتيرة القصف و تواصل الهجومات المختلة على المدنيين ، أو بحد تعبير نعوم تشومسكي “الفشل الأمريكي العسكري بلغ ذروته “، و لمدة عشرين عامًا لم تقدر على تحقيق انتصار عسكري فاعل مغير ، و قبلها قرابة ٣٠عام من محاولات بائسة من الاتحاد السوفيتي السابق.
و هكذا ، غيرت الجغرافيا السياسية و الطبيعية موازيين القوى العسكرية بقوة ، و كتبت معادلة جديدة بحروف و أبعاد جذرية تمامًا ، ما يشكل تساؤل ملح و مشروع عن اليمن العسكري و أبعاد قوته و تفاصيلها ، و سر إصرار الغرب على مواصلة الحرب الأبدية عليها. و يكمن السؤال الأهم في تحقيق الأهداف الشخصية و المصالح الإقليمية بشكل خادم لإسرائيل أم أن معادلة الردع الخاصة بها ستكتب فصلًا جديدًا سيفتح الباب للقول أن انتقام الجغرافيا منع الجميع و هدم الأطماع الغربية ، مثلما حدث مع السعودية و الإمارات على مدار ٧ سنوات متواصلة من التجريف المعتمد لأسس الحياة الأساسية.
المعادلة المقاومة داخل العمق :اليمن تكتب التوغل داخل الكيان الإسرائيلي
يوم أمس ، قصفت اليمن صاروخًا مدويٍا أصاب مطار بن غورين في تل أبيب ، أي بعبارة أخرى كتبت معادلة جديدة لأول مرة في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي، مصيبة بذلك ٨ أشخاص ، و كذلك صنع حرفة عمقها ٢٥ مترًا مما سبب حالة ذعر و فزع لدى الاحتلال لعلمه الواضح أن إذ بدأت الهجمات فإنها لن تتوقف ، و تنهمر عليه وبالًا منصهنًا ، و بخاصة عند فشله بهجماته المتنوعة و التي كلفته الكثير مما سلف ذكره بالإضافة لضربه ميناء صعدة ، فضلًا عن مدارس و مستشفيات مدمرة نتيجة تدمير المنظومة الصحية.
في مقاله المعنون بحرب الغرب الأبدية على اليمن ، يؤكد الكاتب جو هل الفكرة القائلة أن حرب الغرب على اليمن ما هي إلا وكالة غير معلنة أو العكس عن إسرائيل ، لتنعكس ظلالها على الولايات المتحددة عبر خسارة كبيرة لها اقتصاديًا، غير إسقاط العديد من حاملات الطائرات مثل إس سي ترومان ، و أيزنهاور و غيرها التي تكلف الواحدة منها قرابة ال٢٠٠مليار دولار في العام ، إضافة لفشل أي من الإصابات المؤثرة للحوثيين أو جماعة أنصار الله ، فتحول القصف الأخير لحملة سخرية ، و نكت مليئة بالاحتقار و الضحك و السخرية المريرة من الجيش الأمريكي و ترامب.
علاوة على تلك الخسائر الفادحة ، هناك جانب آخر فرضته بقوة متينة بحصارها الجوي الخانق على الكيان لما لديها من قدرة جوية عميقة لم تصلها لها أي من أقرانها العرب ، غير كسرها للاحتكار الإسرائيلي الحصري و الوحيد لصنع المسيرات الحاملة للقنابل أو الانتحارية ، ما جعل المحلل العسكري آفي أشكانزي الخاصة بصحفية معاريف يؤكد أن تلك الهجمات كانت تجربة أولية لإثبات سهولة الاختراق الجوي للضرب ، و فرض أمر واقع جديد يقول “اليمن هنا ، نقصف استجابة لغزة “، ما يقوي أيضًا موقف إيران في المنطقة بأكملها ، عبر تقوية الموقف الداعم للقضية الفلسطينية بعد ضعف حزب الله.
إن المواقف الداعمة لغزة من اليمن تثير حفيظة الداعمين لإسرائيل إقليميًا و دوليًا لما تمتع به الحوثي من قبول لدى اليمنين و للقضية الفلسطينية عامة ، و السماح بمظاهرات مليونية أسبوعيًا كل جمعة لدعم غزة ، لعل يرجع هذا الزخم الحر و المساندة المفتوحة بحسب الباحث أنور الخضيري الباحث في الشأن اليمني بسبب كون القضية الفلسطينية محل اتفاق سائد و عام بين اليمنين ، كاتبًا بذلك تاريخ جديد لتاريخ الصراع العربي و الفلسطيني من سحب البساط من دول محورية تكلفت المخاض العسير لخوض حربين أو منعت البترول عنها طيلة عام و نصف من أجل أن تظهر جليًا خذلانهم الفاضح و تواطؤهم المخزي.
بعد كل هذا ، لا عجب أن يسميهم أبو عبيدة السند الوحيد بعد أن أضحوا عدو عصيًا على أعتى القوى العالمية و فككت جيوش دول خليجة بقواعدها العسكرية الأمريكية، فتركتها خرابًا معمصًا ، و لذلك تحفز الحكومة “الشرعية “ظاهريًا بشن حرب أهلية ضدها في الشمال اليمني ، و يتأخذها نفس الرئيس الأمريكي الذي يقصفهم بمنتهى الأريحية لاستغلالهم باعتبارها أزمة أو ورقة ضغط سطحية بعد فضحية سينجال الشهيرة التي أظهرت حيوية اليمن على السياسة الأمريكية الخارجية لشن هجومات إعلامية أو ابتزاز حقيقي ، أو معنوي لتحقيق السيطرة المزعومة التي أكد جيفري جولدنبرج الصحفي المخضرم و رئيس تحرير ذي أتلانينك أنها فقط لعبة أطفال لمشهد من البلطجة الأمريكية التي لا تكبحها إلا الشجاعة الثابتة و المقاومة الحقة التي لا تعرف المهادنة أو الانكسار .