اخبار عالمية

استعادة الخرطوم في السودان: تحول مرحلي مهم في الحرب الأهلية

أكبر من مجرد انتصار عسكري: من ود مدني للخرطوم

كتب: مصطفى نصار 
استعادة الخرطوم في السودان، حقق الجيش السوداني يوم الأربعاء الماضي الموافق٢٦  مارس ٢٠٢٥ انتصارًا جديدًا يعد نقطة تحول مرحلية تمكن من خلاله استعادة الخرطوم ، و هزيمة ميليشا  الدعم السريع و تراجعهم لما وراء خلف خزان الأولياء السوداني، و جاء ذلك بعد استعادة القصر الجمهوري من أيديهم ، مما يعطيه مساحة واسعة من إعادة السيطرة على أراضي سيطر عليها الميليشا المدعومة إقليميًا من إمارات الشر ، لتحقيق مصالح خبيثة و شريرة سيشرحها المقال مقدمًا فيما بعد ، ممهدًا الطريق لانتصار آخر على مستوى السيادة الوطنية و الاستراتيجية العسكرية.

استعادة الخرطوم في السودان: تحول مرحلي مهم في الحرب الأهلية
 
أتى إعادة استعادة الخرطوم بعد عدة انتصارات متتالية ، منذ عملية ود مدني ، و التقدم في ولاية الجزيرة الشهر الماضي من يوم ٢٢ فبراير ل٢٥ ، لتكلل تلك الانتصارات بالأسابيع الماضية الذي دحر فيها القوات المارقة من الدعم السريع علاوة على خلو ولاية الجزيرة من أي عناصر من قوات الدعم السريع كما أعلن الجيش السوداني،  و لهذا خرج الأهالي لاستقبالهم بفرحة عامرة بالأعلام و الورود لتخلصهم من الكابوس الحي الذي أذاقهم ويلات و مآسي الحرب من ظروف كارثية و انقطاع شبه كامل للخدمات و المرافق الأساسية مثلما ذكرت صحفية الجارديان في تقرير موسع لها.


 
علاوة على حجم الانتصار ، فإنه خطوة تمهيدية لاستعادة أقل مقومات الحياة الطبيعية في الخرطوم ، و إعادة الأمل لسكان المدينة الكبيرة ، موحدًا بذلك  كافة الفصائل السودانية تحت مظلته مثل لواء البراء بن مالك الذي خفت صوته ، حتى أعاد الجيش العمل و التعاون معه بعد قمعه الممنهج و البطش به منذ ديسمبر ٢٠١٩ أي منذ نجاح الثورة السودانية ، و كذلك صدارته للمواجهة المباشرة مع الميليشا ، فضلًا عن مهاراتهم العالية في القتال و حرب العصابات ، لينتهي بإعادة تصدر الإسلاميين الجهادين و انتصار متتالي للربيع العربي عقب الثورة السورية، و الإطاحة بنظام بشار الأسد في ٧ ديسمبر من العام الماضي.


 
بدأت محاولات السيطرة الكاملة على مدينة الخرطوم في أوائل شهر رمضان المبارك حينما تمكن من السيطرة على ولاية الجزيرة، مستغلين بذلك تخلي القائد إبراهيم محمد عن الدعم السريع، مساعدًا إياهم بإخبار تفاصيل استراتيجية، و عسكرية مثل مخازن الأسلحة ، و الذخائر مما أعطهم فرصة ذهبية للانطلاق نحو الخرطوم ، بعد ربط الولاية بمدينة ود مدني التي تعد واصلة الربط بين الخرطوم و القهير أي بعبارة أخرى تمهد ود مدني الطريق لاستكمال استرجاع المدن بسهولة ، مسيطرًا بذلك على مساحة كبيرة تعادل ثلاث أرباع مساحة السودان كافة ، لكي يتبقى فقط إقليم دافور ذا التاريخ الأسود من مجازر و دماء و مذابح متعددة بحق المدنيين في عامي ٢٠٠٢ و ٢٠٠٣ .
 
يشير الكاتب السوداني عطاف محمد رئيس تحرير صحيفة السوداني في مقال موسع على موقع سطور أن الدعم السريع تعتمد بالأساس على الإرهاب الوحشي و القتل ، و لا تعتمد إلا “الإبادة و القتل خارج نطاق القانون”، فضلًا عن نهبها المستمر للثروات السودانية كالذهب من جبل عامر ما يعكس خستهم الوضعية ، بالإضافة إلى النزعة القبلية بينهم فقط لاختلافهم التافه على المناصب ، بين قبائل عديدة ما يعكس حالة من التخبط الاضطرابي ، و الرفض الشعبي الكبير لهم بسبب الخيانة لنظام آخر .
 
في سياق متصل ، يعتبر الانتصار العسكري أكبر من مجرد نصر إذ سيطر الجيش كذلك معاقل رئيسية للدعم السريع منها مدخل جبل أولياء و مقرات السفارات الأساسية مثل مصر و السعودية،  الأمر الذي دفع المحلل محمد مصطفى وديع لاعتباره السيطرة على الخرطوم أكبر من مجرد انتصار لما يكتنفه من عدة مكاسب على رأسها منع محاولات السيناريو الليبي أو تقليلها ببطء حتى يعيد الجيش هيكلة خططه العسكرية و الاستراتيجية مما يعيد السؤال الخاص بانتهاء الحرب ، و هزيمة الإمارات و مشروعها التخريبي في المنطقة العربية منذ ما يزيد على عقد من الزمان بإخماد أو إجهاض مؤسف للربيع العربي بشكل مشابه للمشروع الصهيوني.
 
الإمارات و مشروع الثورة المضادة :ضربتان قاسمتان في ظل ٣ أشهر تهزم المشروع الانفصالي الصهيوني
 
 
ثمة إشكالية منتشرة في السودان منذ بدء الحرب الأهلية في أبريل عام ٢٠٢٣م مفادها مدى تغول الإمارات لدعم مباشر و متواصل مالي و لوجستي و إعلامي بشكل مكثف و فج لدرجة دعمها بالمرتزقة التشاديين ، و تخصيص مكتب إعلامي في أبو ظبي للتحدث عنهم و تلميعهم و محاولة إبرازهم كحكام شرعيين للسودان ، مموهين بطلبات علمانية تكوين حكومة من الانفصالين أصل من أصول الدين العميقة ، و القريبة ، فضلًا عن إغداقها الثري ، و المفتوح بالأموال التي وصلت ل٤٨ مليار دولار وفقًا لأوسكار ريكيت الصحفي البريطاني المتخصص في القرن الإفريقي.
 
توالت هزيمة مشروع الإمارات التخريبي ، ممثلًا في سيطرة هيئة تحرير الشام على سورية منذ ١٠٠ يوم ، بعد محاولات إعادة النظام السوري (نظام الأسد )للحظيرة العربية بعد ظن شائع بنهاية أبدية فضلًا عن محاولتها المسميتة لإزالة العقوبات الدولية الاقتصادية المتمثلة في قانون قيصر الجنائي ، و كذلك العقوبات السياسية عبر عزلته التجارية حتى تحولت لجمهورية تصدرية لمخدر الكبتاجون شديد الخطورة للدول العربية الأخرى كالأردن و الكيان الإسرائيلي و السعودية، و تتمثل الضربة الأخرى للمشروع في إعادة سيطرة الجيش السوداني على الخرطوم.


 
  و هكذا ، نشأ اتجاه موازي ينمو لدى الدول العربية التي فشل فيها الربيع العربي ليس فقط لإعادة إحيائه بل و إحباط مخطط بناء محور الانفصالين مثلما أشار الكاتب و أستاذ دراسات الخليج أندرياس كريج في مقال مطول له على موقع ميدل إيست أي يؤكد فيه أن بناء الإمارات لذاك المحور التخريبي عن طريق اعتماد طريقة الولايات المتحدة في تدمير العالم ، أو إعادة الإعمار و الهندسة بطريقة تضمن لها تحقيق مصالحها الخارجية المبنية بالأساس على الدسائس الخبيثة التي من هدفها تدمير البلاد و الصعود على أشلاء شعوبها ، و أنقاضها المهدمة فوق رؤوس من يحاول.


 
فيكمن دخول الجيش السوداني للخرطوم ضربة قاسية قوية للمشروع الإماراتي الذي يحمل بالمناسبة أجندة صهيونية في طياته لإنه يقوم بمختلف الألاعيب لدعم الضفة الجائرة على حساب الفائز بحق ، بهدف تفكيك السودان و استخدامه المحدود لإمدادها بالذهب ، علاوة على العمل على اتحاذ السودان كقاعدة لمساعدة إسرائيل تحت ذريعة الإرهاب و المنشقين في حين أن الإمارات تنشق انشقاقًا قائمًا بالدرجة الأولى لخدمة خطة إسرائيل بتقسيم السودان ، فقط لتحويلها لمنجم ذهب كبير ، و ضخم بل جعلته وقودًا للحرب الدائرة حاليًا ، لكن ما يظل قيد التمنى فقط حتى الآن انتهاء الحرب الدائرة بين الطرفين ، و استعادة استقرار و أمان السودانيين.

معركة قادمة و طويلة :نهاية الحرب ليست بقريبة
 
يظل سؤال نهاية الحرب في السودان غامضًا للخلافات العميقة و التباينات بين كل الملفات اللافتة و الشائكة منها ملف التفكيك التي تسير فيه الدعم السريع على قدم و ساق مستعينة بالإمارات مع عدة تحالفات و تجمعات حقيقة من الميليشات ، مع التقدم المحموم في مسألة بناء حكومة موازية لحكم الأراضي المستحوذ عليها حتى عقدوا مؤتمر نيروبي في كينيا الشهر الماضي،  فضلًا عن مسألة إعادة الاندماج أم استسلامهم المعلن للجيش كما يريد عبد الفتاح البرهان فقط لإعادة توحيد السودان تحت لواء واحد ، و يبرز السؤال مرة أخرى ليصبح احتمالية حل الأمور العالقة بينهم المرتبطة باحتمال انتهاء الحرب أو استمرارها .
 
تتمحور إجابة ذلك السؤال في الدعم السريع نفسه الذي سيحاول السيطرة على مدينة الفاشر أكبر مدن دارفور بهدف تقسيم السودان لكن المآسي الموجودة على أرض الواقع من عدم وجود خدمات و ماء و طعام يكف جوعهم ، مع عدم اهتمام غربي من الأساس يصعب عملية إعادة إعمارها و عدم تنفيذ الغرب لوعوده الحقيقة ، أو مثلما يقول مالك عقار نائب  رئيس مجلس السيادة السوداني أن الغرب لم يعطهم ال٥٠ مليون دولار الذي وعد بهم من عام حسب تحليل صحفية النيويورك تايمز ، و اتفقت معها صحفية الجارديان في تحليل مطول مع إلقاء اللوم على الغرب لإغفاله المعتمد لها على حساب قضايا أخرى.


 
و لإيضاح الصورة ، لغى ترامب الرئيس الأمريكي وظيفة المبعوث الأمريكي لشئون السودان، و أنهى خدماته ليكمل في مقال كامل مع صحفية الوانشطن بوست أسباب تخلي أمريكا عن السودان ، ليأخذ مركز الدراسات الدولية و الاستراتيجية الخيط منه و يكمل سينايور سيطرة الدعم السريع على الأراضي كاملة فقط ، ليخرج بنتيجة ثابتة مفادها زعزعة الاستقرار و النزوح للغرب ، مما تهدد بتحويل الغرب و أمريكا لوجهة استقبال للاجئين ، فيما أبدى آلان دوسيل رئيس وحدة القرن الإفريقي في مجموعة الأزمات الدولية بأن الطرفين يلجأون لتكتلات أخرى ، مع مواجهة البلاد أزمة إنسانية كارثية و مأساوية لحد تراكم الجثث فوق بعضها في الطرقات و الآبار.

مع تلك الإجراءات المنظمة لكل من الطرفين ، يصعب على الطرفين إنهاء الحرب الأهلية، بل يذهب بعض المحللين السياسين مثل ألكس دي وال و نسرين مالك لأن استمرار الحرب نفسها بتلك الوتيرة المتسارعة سيطل من أمدها ، و تخلف كوارث عالمية كبرى ذات أثر بالغ ، و طويل الأمد على التجارة العالمية و الغذاء الممتد للكوكب بأسره أو في أحسن الأحوال تبديل و تحويل الدفة لتحويلها نحو سينايور ليبيا التي انقسمت فيه لجمهوريتن مع اعتراف دولي لحكومة الوفاق غرب ليبيا ، و عقد مؤتمر نيروبي في الأساس لخلق اتفاق جامع ، و متفق عليه لعدة دول أفريقية مثل جنوب السودان، و إريتريا و أثيوبيا نظرًا للخلاف على ملف سد النهضة المستهدف للتحكم في المياه و شريان الحياة في مصر و السودان.

بالإضافة لكل العوامل و المؤثرات السالفة ، تظل السودان الموحدة دون حرب أو تمزقات أو مرتزقة أو مخططات تقسيم أو دسائس هدف طويل المدى ، يتمناه القاصي و الداني بهدف استقرار و ثبات و تحسن أحوال الشعب السوداني، و توقف أهوال الحرب المروعة التي منعتهم من الاحتفال بالعيد ، و سمحت لهم هذا العام بالاحتفال بنية صادقة ، و فرحة عارمة يرجو تحولها لفرحة أخيرة و أكبر بتحرير كامل بآخر إقليم ضخم ألا و هو إقليم دارفور ، ليتفرغوا لإعادة بناء الدولة بعيدًا عن إرث الطغيان و الاستبداد السياسي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى