أخبار

حمدي فراج كوكب يكتب: من منصة العلم إلى منصة الرقص.. تحولات سوسيولوجية في سلوك الطلاب

في مشاهد صادمة تنتشر مقاطع فيديو بين الحين والآخر، تُظهر الطالب الجامعي أو الطالبة الجامعية في حالة استعراض وبشكل مبالغ فيه على منصة التخرج لحظة التكريم والاحتفال بالنجاحات العلمية والأدبية للطلاب، ووسط تصفيق واستحسان من الحضور، وربما قد يكون في هؤلاء الحضور بعض أعضاء هيئة التدريس.

وهذا الحدث، وإن كان فرديًا، إلا أنه يعكس تحولات عميقة في القيم والسلوكيات داخل المؤسسات التعليمية، ويثير تساؤلات حول أسباب هذا التدهور الأخلاقي وهويته الجامعية.

ويمثل هذا الحادث انتهاكًا صارخًا للهيبة العلمية والاحترام المتبادل بين الطلاب وأساتذتهم، فمنصة التخرج هي مكان لتقدير الجهد العلمي وتكريم المتفوقين، وليس مسرحًا لإظهار المهارات الراقصة.

ويعكس هذا السلوك انعكاسًا للقيم المجتمعية السائدة، حيث أصبح الاهتمام بالمظهر الخارجي والشهرة عبر وسائل التواصل الاجتماعي أهم من القيم العلمية والأخلاقية، وهذا التحول يعكس نمطًا جديدًا من السلوكيات التي تهيمن على المجتمع، حيث يُنظر إلى الشهرة والإعلان عن الذات على أنهما أهداف قَيِّمة بذاتها.

فمع انتشار الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، أصبحت الشهرة أكثر سهولة وإمكانية الوصول إليها تأتي عبر مقاطع الفيديو الغريبة والعجيبة والفريدة، وربما الخارجة عن القيم والأخلاق والتي تؤدي إلى أنها تصبح مشهورة على مواقع مثل: يوتيوب وتيك توك وفيس بوك وغيرها، ويمكن لتلك المقاطع أن تغير حياة الأفراد بشكل كامل، مما يدفع الكثيرين لمحاولة الوصول إلى هذا النوع من الشهرة.

وفي هذا السياق، يمكن فهم السلوك الاستعراضي على منصة التخرج على أنه محاولة للحصول على الشهرة والإعجاب من خلال التمثيل المبالغ فيه، ومنصة التخرج، كمكان لتقدير الجهد العلمي وتكريم المتفوقين، تفقد هيبتها وقيمتها عندما تتحول إلى مسرح لإظهار المهارات الراقصة.

وهذا الانتهاك الصارخ للهيبة العلمية والاحترام المتبادل بين الطلاب وأساتذتهم يؤدي إلى طرح العديد من الأسئلة التي تدور في أذهان المجتمع حول القيم التي نريد تعليمها للطلاب وترسيخها فيهم.

فمن الضروري تعزيز القيم العلمية والأخلاقية في المؤسسات التعليمية، ويجب أن تكون هناك توجيهات واضحة وقواعد محددة تحكم سلوك الطلاب على منصة التخرج، مع تعزيز التقدير الحقيقي للجهد العلمي والأدبي، علاوة على ذلك، يمكن للجامعات والمدارس تعزيز برامج تربوية تركز على القيم الأخلاقية والاجتماعية، وتعليم الطلاب كيفية التمييز بين الشهرة السطحية والتمكن الحقيقي في المجالات العلمية والأدبية.

كما يقع على عاتق الأسرة والمؤسسات التعليمية مسؤولية غرس القيم الأخلاقية والوطنية في نفوس الشباب، وتوجيه طاقاتهم نحو الإبداع الحقيقي والتفوق الفعلي.

وربما تعود أسباب هذه الظاهرة إلى تراجع دور الأسرة في غرس القيم والأخلاق الحميدة لدى الأبناء، بالإضافة إلى تأثير البيئة المحيطة من أصدقاء ووسائل إعلام، وغياب الرقابة الصارمة على سلوك الطلاب داخل الجامعات، وعدم وجود برامج توجيهية فعالة، وقد يكون ضعف الرقابة من قبل إدارة الجامعة وأعضاء هيئة التدريس أحد أسباب حدوث مثل هذه الحوادث.

فقد ساهم كل ذلك في تشكيل سلوكيات الطلاب، حتى أدى هذا الأمر إلى أن تفقد المؤسسة التعليمية الكثير من هيبتها، وبات الطالب ينظر إلى المعلم على أنه مجرد موظف، وليس قدوة يحتذى به؛ وبالتالي فقدان الهيبة والاحترام للمؤسسات التعليمية والأكاديمية، وتراجع القيم الأخلاقية كالانضباط والوقار.

فانتشرت ثقافة الترفيه السريع والتريندات الاجتماعية والشهرة اللحظية في أذهان الشباب، وأصبحت الأولوية هي تحقيق الشهرة والمجد والانتشار عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وأدى تراجع الاهتمام بالدين والأخلاق إلى تلاشي القيم النبيلة التي كانت تحكم سلوك الأفراد، ولم تعد الأسرة والمجتمع يمارسان دورهما في تربية الأبناء وتوجيه سلوكهم، مما دفع بالطلاب إلى تبني سلوكيات استعراضية لجذب الانتباه.

ويترتب على تلك الظاهرة تدهور المستوى التعليمي؛ حيث يصبح الطالب أكثر اهتمامًا بالشكل والمظهر، وأقل اهتمامًا بالمضمون والمعرفة، وتساهم هذه السلوكيات في تآكل القيم المجتمعية، وانتشار ثقافة التقليد الأعمى، وتعكس هذه الحوادث الصغيرة صورة مشوهة عن التعليم والجامعات، وتقلل من مكانتهما في المجتمع.

وهذا الحادث –أيضًا- يعكس تدهورًا في مستوى التعليم، حيث يصبح الهدف الأساسي للطلاب هو الحصول على الشهادة وليس اكتساب العلم والمعرفة، وقد يشجع ذلك على انتشار سلوكيات أخرى غير مقبولة اجتماعيًا، مما يؤثر على سمعة المؤسسات التعليمية والمجتمع ككل، بالإضافة إلى فقدان الثقة في المؤسسات التعليمية وتدهور مستوى التعليم وتراجع مكانة الجامعات، مما يزيد من المشكلات التي تعاني منها هذه المؤسسات.

كما أن هذا السلوك يمثل تهديدًا للهوية الوطنية والقيم التي تربينا عليها، كما أنه قد يشجع على انتشار السلوكيات غير الأخلاقية بين الشباب.

إن هذا الحادث المتكرر الذي وقع ويقع مرارًا وتكرارًا في حفلات التخرج ليس مجرد حادثة عابرة، بل هو مؤشر على وجود مشكلة عميقة في مجتمعنا، ويجب علينا جميعًا تحمل مسؤوليتنا في معالجة هذه المشكلة، والعمل معًا لبناء جيل جديد من الشباب يتمتع بالوعي والقيم والأخلاق الحميدة، وإنه جرس إنذار يدعونا إلى إعادة النظر في قيمنا وسلوكياتنا، فعلينا جميعًا أن نعمل معًا للحفاظ على هيبة العلم ومكانة الجامعات، وأن نبني جيلًا جديدًا يتمتع بالوعي والقيم والأخلاق.

ويجب على المؤسسات التعليمية والأسرة التركيز على تعزيز القيم الأخلاقية والوطنية لدى الشباب، وعلى الجامعات أن تقوم بتطبيق لوائح الانضباط بشكل صارم على أي طالب يرتكب مثل هذه الأفعال، مع الأخذ في الاعتبار أن العقاب يجب أن يكون رادعًا، ويجب توعية المجتمع بأهمية العلم والمعرفة ودور الجامعة في بناء المجتمع، وتوجيه الشباب نحو استخدام وسائل التواصل الاجتماعي بشكل إيجابي، من خلال نشر المحتوى المفيد والهادف.

ومن ثم تعزيز القيم والمبادئ الأخلاقية لدى الطلاب، وغرس حب المعرفة والاحترام للمعلمين والعلماء، وتطوير برامج توجيهية شاملة للطلاب، تغطي الجوانب الأكاديمية والسلوكية والنفسية، ويجب على وسائل الإعلام أن تلعب دورًا إيجابيًا في نشر الوعي بأهمية القيم والأخلاق، وتسليط الضوء على قصص نجاح الطلاب المتميزين، وإعادة هيبة المعلم ومكانته في المجتمع، وتوفير بيئة عمل مناسبة له، وتطوير المناهج الدراسية لتشمل مواد تعزز القيم الأخلاقية والوطنية، وتوعية الشباب بمخاطر السلوكيات غير اللائقة.

إن ظاهرة الاستعراض في حفلات التخرج هي جرس إنذار يدعونا إلى إعادة التفكير في قيمنا وأولوياتنا، ويجب علينا جميعًا أن نعمل معًا من أجل بناء مجتمع أفضل، يرتكز على العلم والمعرفة والأخلاق.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى