منوعات

أحمد عمار الشطوري يكتب: المتحدث الرسمي

“عظمة الفكرة لا تكفي… إن لم تجد لسانًا يحملها”، هذا ما يبرزه لنا القرآن الكريم في قصة سيدنا موسى وأخيه هارون، حين طلب موسى من ربه أن يرسل معه هارون لأنه أفصح لسانًا وأقدر على إيصال الرسالة بوضوح:
قال تعالى:
﴿وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ﴾.

كان هارون بمثابة “المتحدث الرسمي” باسم الرسالة الإلهية، يواجه فرعون وملأه، ويعرض ما نزل على موسى من وحي ببيان وفصاحة. وهكذا يعلمنا القرآن أن قوة الفكرة وحدها لا تكفي، بل تحتاج دائمًا إلى من يحسن عرضها بلسان قوي وصدق نافذ.

في العلم: كم من باحث عبقري يملأ أدراجه بالاكتشافات لكنه يعجز عن شرحها، فيأتي زميله الفصيح فيبسط الفكرة ويجعلها حديث الناس.

في الإدارة: المدير المبدع قد يبتكر أفكارًا تنهض بالمؤسسة، لكن مسؤول الإعلام أو العلاقات العامة هو من يوصلها للجمهور بطريقة تكسب ثقتهم.

في السياسة: صانع القرار يضع الخطط والرؤى، بينما المتحدث الرسمي أو الدبلوماسي هو من يشرحها ويقنع بها الآخرين.

في الدين: قد يمتلك العالم علمًا واسعًا في كتاب الله، لكنه يحتاج إلى خطيب أو داعية يحول هذا العلم إلى خطاب مؤثر يصل إلى العقول والقلوب.

القرآن الكريم يعلّمنا أن الكلمة قد تكون نصف القوة، وأن الفكرة لا تثمر إن لم تجد من يترجمها بوضوح وقوة وصدق.

ولهذا.. نحن بحاجة في كل مجالات حياتنا – على مستوى الأفراد، الأسرة، المجتمع والسياسة – إلى اختيار “المتحدث الرسمي” الفصيح الذي يوصل الحقيقة كما هي، قبل أن تصلنا مشوهة عبر الهرتلة والتخبط من كل من هب ودب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى