فن وثقافة

د. أيمن صابر سعيد يكتب: أدب اليافعين بين الواقع والمأمول

أدب اليافعين بين الواقع والمأمول

 

شرفت أمس الخميس الموافق 7 أغسطس 2025 بحضور مائدة مستديرة تجمع قامات أدبية روائية وفنية وتسويقية، عقدت في بيت المثقفين “المجلس الأعلى للثقافة في قاعة الفنون بعنوان “الكتابة لليافعين وتحرير الخيال عبر تقنيات الرقمنة…شهادات ورؤى”، أدار المائدة الكاتب الأستاذ/ أحمد قرني، وبمشاركة كل من (طبقا للترتيب الهجائي): الكاتب الأستاذ/ أحمد طوسون- الكاتبة الدكتورة/ إيمان سند- الكاتب الدكتور/ أيمن صابر- الكاتبة الأستاذة/ رانيا حسين أمين- الكاتبة الأستاذة/ سمر صلاح الدين- الكاتبة الدكتورة/ عفاف طبالة (تسجيل فيديو)- الكاتب الدكتور/ محمد فتحي- الكاتب الدكتور/ محمد هندي- الناشر الأستاذ/ محمود عبد النبي- الكاتب الدكتور/ مصطفى غنايم. الكاتبة الأستاذة/ هجرة الصاوي، وقد أدلى كل بدلوه، وعرض وجهات نظره في هذا المجال الأدبي المهم والضروري في آن واحد.

ومع كل متحدث كنت أجد الأسئلة تزداد لدي، ويُفتح باب جديد، خاصة أن كل الأبحاث المعروضة ووجهات النظر كانت تحتاج إلى وقت كبير للعرض، فالأمر ليس بسيطا على الإطلاق، وكل قامة من هذه القامات تحتاج عرض الموضوع في ندوة كاملة، ولكن الجميع حاول الإيجاز قدر المستطاع، وعدت ومعي أسئلتي الكثيرة الحائرة والذكريات التي انهلت عليَّ، في هذا الشأن.

وبدأت الأسئلة مع خروجي من القاعة ماذا لو قابلني يافع من اليافعين، وسألني لماذا تتحدثون عنا، ونحن غير ممثلين في المائدة، فماذا نحن قائلون؟ في حقيقة الأمر كان الأمر في ذهني، في أثناء إعداد المائدة، وأعددت اتفاقًا لحضور يافعة من اليافعين لتقدم مداخلة عن جيلها، ولكن حالت الظروف فلم تحضر، ربما سيصدقني، ويقول إن عدد اليافعين كثير، وهنا سألتزم الصمت، فهذا الجيل من حقه أن يسأل، ويقتنع بالجواب، فلديه ثقافته الخاصة التي كونها من التقدم التكنولوجي الذي يحياه، سواء بمشاركة الأسرة أو مع أشخاص من خارج الأسرة، المهم أننا يجب أن نقر أنهم لديهم أمور كثيرة خاصة، ومن حقهم الحوار المتبادل، وهي من أهم أسس الكتابة لليافعين، الكتابة لهم وليست عنهم؛ فشتان بين حرفي الجر، وإذا لم نؤمن بالحوار معهم وجدواه، فإننا لا نقدم أدبا لليافعين.

ثم جاء السؤال الثاني من يافع آخر يستفسر بأدب، ما المقصود بعنوان المائدة: “الكتابة لليافعين وتحرير الخيال عبر تقنيات الرقمنة…شهادات ورؤى”، وهنا سأنبري للإجابة قائلا: هذا موضوع للمتخصصين في أدب اليافعين، ربما سيفكر ويسأل: أي خيال تقصدون؟ فسأجيب سريعا: الخيال الموجود مثلا في الروايات والشعر، وماذا عن الخيال العلمي؟ فستكون الإجابة: والخيال العلمي أيضا، وما علاقة الأديب أو الكاتب بالأمور العلمية، هل هو على علم بها؟ فسأقول: نعم إنه يقرأ عنها، فسيقول: القراءة لا تكفي؛ فهو لم يدرسها ربما يخطئ….هذا اليافع أرهقني ربما علي أن أعتذر له وأنصرف، على أن نستكمل اللقاء في يوم آخر.

ثم يظهر يافع ثالث، ممكن سؤال؟ تفضل، أنت تقولون تقريبا إن أدب اليافعين موجه لسن من 12 إلى 18، وهذا كلام غير صحيح، فإن معارفنا ومداركنا تفوقكم وأنتم في مثل سننا، فنحن نعرف الكثير عن أمور كثيرة في شتى النواحي قبل هذه السن، والقول بأننا في سن المراهقة غير صحيح، بل نحن كما قرأت -في التاريخ والبطولات- في سن تحمل المسؤولية والتكليف والاعتماد على النفس، وأنتم لا تجربون ذلك ولا تعتمدون علينا وترون صغارا، ماذا تريد أن تقول يا صديقي؟ أريد أن أطالب بتغيير هذا الاسم، نحن كبار، ونريد أنت نتعامل من هذا المنطلق، فهل يمكن ذلك؟ طبعا يا صديقي من حقكم، وسنتناقش في ذلك في لقاء قادم. ممكن سؤال أخير، تفضل، أنا أحب أن أقرأ وأشاهد القصص الأجنبية، فلماذا لا يوجد عندنا ما يجذبني ويدفعني للمشاهدة والقراءة، وهنا أمسكت رأسي، وقلت له أشعر بصداع شديد، فيرد: نؤجل الإجابة للقاء القادم حتى لا تصاب بأي تعب.

كل هذه الأسئلة -وغيرها كثير- تجعلنا نقف مع أنفسنا وقفة، هل نحن جاهزون للحوار مع هذا الجيل، ولدينا قدرة للاستماع والمناقشة والإقناع؟!

تجربتي مع يعقوب الشاروني:

كان الأستاذ يعقوب الشاروني (1931-2023)، وهو من أبرز كتاب أدب الأطفال واليافعين في الوطن العربي، مشرفا على سلسلة الطفل بالمركز القومي للترجمة لسنوات طويلة، وكان نموذجا في الدقة المتناهية، والإخلاص الشديد في العمل إخراجه في أحسن صورة، والإنفاق عليه دون حساب، المهم العمل يستكمل كل أدواته؛ ولذا فأي عمل قدمه، وكتب عليه اسمه ستجد فيه لمساته الإبداعية الفنية الفريدة؛ سواء كان تأليفا أو ترجمة أو مراجعة أو إشرافا، وهذا ما يجعلني أتوقف عند أهم السمات الخاصة بالكاتب الكبير، عسى أن نقتدي بها في كنابتنا، ونسير على النهج والدرب: الاهتمام بالقيم التربوية والأخلاقية كمرب فاضل، واستعمال اللغة البسيطة والجذابة، توظيفه لعنصر التشويق والمغامرة، إشراك الطفل في الحكاية وتنمية خياله فهو بحق مهندس للخيال، الاعتماد على التراث وتوظيف القصص الشعبي، غرس التفكير النقدي في الطفل، استعماله للشخصيات القريبة من بيئة الطفل، اعتماده على الواقعية المصحوبة بالأمل والتفاؤل، مع الانفتاح على الثقافة العالمية، فضلا عن اهتمامه الشديد بالرسوم المصاحبة للحكايات.

رشَّحه الأستاذ توفيق الحكيم، عام 1963 ليحصل على منحة التفرغ للكتابة الأدبية، وقال: “أزكِّي هذا الطلب بكل قوة لما أعرفه عن السيد يعقوب الشاروني من موهبة تجلَّت في مسرحية (أبطال بلدنا) التي ظفرت بالجائزة الأولى في مسابقة المجلس الأعلى للفنون والآداب”.

وقالت الدكتورة سهير القلماوي في تقرير اللجنة التي منحته جائزة أحسن كاتب أطفال سنة 1981: “إن أسلوب الأستاذ يعقوب الشاروني، بالنسبة لما يجب أن يكون للأطفال، قد حقَّق آفاقًا بعيدة المدى، سهولةً وبساطة وتعليمًا. إنه أسلوب واضح المعالم، مُستجيب لكل ما نطمع فيه من حيثُ اللغةُ التي نُخاطب بها الأطفال”.

استطاع الراحل أن يجعل من القصة وسيلة لغرس المبادئ، ومن الخيال وسيلة للفهم العميق، ومن الكلمة أداة للتعبير والتغيير؛ فقد ترك أثرا لا يقاس بعدد الكتب والقصص ولا الجوائز، بل بما تركه من بصمة في وجدان أجيال تربت على قصصه وحكاياته، وتعلمت أن الخير أقوى، وأن الطفل قادر على أن يغير العالم بفكره، وبحلمه، وبفكرة شجاعة. فتجربة الأستاذ الفنان القدير جديرة بالبحث والدراسة والتأمل، وقد تعلمنا منه كثيرا في الإبداع والنشر والاهتمام بالطفل.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى