اخبار عالمية

انحدار سريع سيتحول لتفسخ نهائي.. الدعم السريع متذوقًا من كأسه

كتب: مصطفى نصار
منذ حوالي أسبوعين ، و تحديدًا في يوم الخميس ١٨ مارس ٢٠٢٥ ، سيطرت قوات الجيش السوداني على المحافظة الخرطوم التي عادت لحضن السودان ، و كذلك القصر الجمهوري الذي تمكنت من إعادته الكلية لهم ، محققًا بذلك انتصارًا مدويًا على قوات الدعم السريع في أهم محافظ السودان كونها معقل من معاقلهم الاستراتيجية التى طالما اتخذوها باعتبارها مخزن أسلحة حيوي و طاحونة مؤن و طعام دائم ، و أعادوهم لما وراء جبل أولياء علاوة على شوارع المؤسسات الدولية و المحلية كالسفارات و المنظمات الخيرية ،ما أعطاهم قوة مرحلية داخلية يستعيد فيها الجيش قوته ليجهز على ما تبقى من قوات الدعم السريع ، فيما تتحضر مفاجأت خارجية عديدة لإنهاء أزماتهم العويصة.

 
تنطوي الأزمة الأساسية للدعم السريع خارجيًا على محاولات تقسيم السودان لدولتين على منوال نموذج ليبيا ، متخذًا كل السبل المؤدية للتمزيق و التقسيم بدءً من حكومة موازية ، و كذلك تهيئة المناخ الخارجي للتقسيم عبر المؤتمرات المجمعة لدول أفريقيا المعادية للدولة السودانية أو الجيش السوداني ، و على رأسها أثيوبيا بسبب سد النهضة ، مع دعم إسرائيل و الإمارات للتمزيق و التطبيع لنهبها و سرقتها و تحويل شعبها لشتات مندثر.

 
تكمن مخاطر تلك المؤتمرات في تكوين رأي عام دولي ، مؤيد حتى و لو ظاهريًا للدعم السريع، ما يدفع الأمر لتكرار مشابه لأزمة السودان مع جنوب السودان في عام ٢٠١١ حينما عانى الجنوب من أزمة اضطهاد مزمن و تدني و احتقار كلي لأهالي الجنوب ، فضلًا عن معاملتهم القاسية على كافة الأصعدة ، لكن هذا يختلف تمامًا عما فعلته السودان على المستوى الرسمي أفشل بصفة شبه دائمة تلك الخطة الخبيثة ، و لعل هذا ما دفع الباحث المتميز محمد عبد الكريم يصف التكرار لهذه الخطة بالمستبعد الذي يواجه صخرة صلبة متمثلة في عدم رغبة الدول في الاعتراف بالحكومة الموازية.

 
أما داخليًا ، لجأت الدعم السريع لإعادة التمركز و التجميع عبر سياسة الأرض المحروقة التي تستخدم بكثافة لدى الاحتلال الإسرائيلي بجعل الأرض غير قابلة للحياة من الأساس عن طريق قطع الإمدادات و ضرب البنية التحتية و قتل المدنيين ، لكن تفوق الدعم السريع على نظيره الإسرائيلي في الأزمة المركبة الإنسانية التي جعلت العاصمة على إثرها مقبرة جماعية لجثث الناس ، جاعلة صحفية الجارديان تصف الأزمة بأنها صعبة و شديدة الوطأة ، و اضطر للانسحاب بعد دخول الجيش نظرًا لعدمية تلك السياسة الوحشية التي من شأنها فقط تدمير الشعب ، و كذلك التأكيد على ضعف و خوار الدعم السريع المواجه لأزمة انشقاقات و تمردات آخرها تمرد قائد المجموعة المنوطة بولاية الجزيرة محمد الولي التي أعلنها صراحة في ١٨ فبراير الماضي ما أضعف الدعم السريع أكثر ،مع تراجع سيطرتها الدائمة على بعض المدن الأساسية مثل ود مدني و عنتاب.

 
هذا التراجع و الانحسار المدوي سيجعل الدعم السريع وفقًا لتقرير حسان الشاعر و عمر الفاروق لمحاولة التقدم لنيل أسهل أوراق الحرب أو أقربها صلة ، و خاصة بعد الملاحقة الدولية المجتمع عليها بتوحد و اتفاق كافة القوى السودانية ، مما يمهد الطريق لغلق الحصار عليها مع داعمها الدولي عراب الخراب و التدمير الإمارات ،و هنا يظهر سؤال قوة رد الفعل الإماراتية بعد تقديم السودان لشكوى تتهم فيها بتمويل الإبادة الجماعية.

 
من دارفور للفاشر.. في البدء كان الانتقام البربري لتنفيذ الأجندة التفتيتية
 
منذ بدء الحرب الأهلية في السودان ،دعمت الإمارات ميليشا الدعم السريع عبر إمدادات مادية و معنوية لتنفيذ تقسيم السودان لدولتين ، و يسير ذلك المخطط منذ قرابة عقد من الزمان ضمن إفشال الربيع العربي ،ما يشكل منطقة عربية مفصلة إماراتيًا لدعم الكيان الإسرائيلي لتحقيق أجندته الممتدة لهم، ووجهت لهم عدة ضربات قاسية في عمق المشروع على مدار ٣ شهور متمثلة في السيطرة على العاصمة ، و كذلك سيطرة هيئة تحرير الشام على سورية منذ ديسمبر الماضي.

 
نتيجة لفشل المخطط الخبيث ، سعت الإمارات باعتبارها قريبة و نافذة من دولة تشاد أن تبني مكتب إعلامي لدعم الميليشا المارقة بكافة البيانات التحريضية و الإبادية تجاه السودان برغم أنها من ضغطت على الجيش لمساندة الدعم السريع و التحالف معه في بادئ الأمر قبيل اشتعال الحرب الأهلية في أبريل ٢٠٢٤م ، إلي أن وصلت الأزمة لتعقيد عالي و إشكاليات كبيرة في العلاقات الخارجية و الدبلوماسية بين البلدين ، وصولًا لسابقة تاريخية أن تحكم دولة عربية أخرى في محكمة العدل الدولية ، دافعة الإمارات للانتقام الوحشي بمحاصرة الفاشر ، المدينة الوحيدة في دارفور الواقعة تحت سيطرة الجيش السوداني في الإقليم.

 
استكمالًا لهذا التوتر، يمثل حصار الفاشر و قتل أكثر من ٣٩٠ شخص من أهل المدن المجاورة نقطة مفصلية في تاريخ الحرب حتى الآن لإمكانية استخدامها كورقة ضغط رابحة في المفاوضات المتوقعة مستقبلًا بين الجيش السوداني و الميليشا المارقة ، فضلًا عن كونها ابتزازًا حقيرًا لسحب الشكوى الدولية ضد الإمارات في لاهاي لما لها من توثيقات واضحة و مدعومة بالأدلة ضدها غير تصدع شبكة مصالحها الإقليمية بفضل تلك الدعوى ، بعبارة أخرى ستتحول الإمارات لدويلة منبوذة لمشاركتها في الإبادة الجماعية في السودان بمقدار ضخم ، و بمبالغ ضخمة تقدر بحوالي نص مليار دولار بالإضافة لمئات الصناديق من الأسلحة و الذخائر .
 
 
و لإيضاح الهدف الأساسي لانخراط الإمارات في الحرب ، يطرح أستاذ الدراسات الأمنية و الدفاعية المساعد في كلية الملك بجامعة لندن رؤية رصينة مفادها استفادة الإمارات اقتصاديًا و أمنيًا من السودان عبر تكوين شبكة علاقات قوية تستخدمها في اليمن لدحر مشروع السعودية ، و نهب ذهب السودان لتتحول البلدين لما يشبه غنائم حرب العصابات،  و تستخدم الذهب في استدامة اقتصادها و بناء الشركات ، غير تنفيذ مصالح الكيان الإسرائيلي اللقيط، ليدفع ثمن تلك المخططات الخبيثة الشعوب دون سواها ، و كذلك معالجة أزمات الديون المركبة التي جعلتها على شفا الإفلاس منذ العام ٢٠١٠ بقيمة تقدر ب٨٧ مليار دولار.

 
تكشفت قصة دعم الإمارات للدعم السريع منذ مجازر دافور الممتدة من أبريل لسبتمبر ٢٠٢٤ من حيث نوع الجرائم ووحشيتها ، و الأهم من ذلك حجم العداد المملوك للدعم السريع ، لصغر حجمه و محدودية عدده التي تصل لعدة آلاف من القطع ، فكانت المفاجأة الكبرى حينما سيطر الجيش السوداني على مدينة الفاشر في أكتوبر الماضي، و حينها بالفعل تأكدت شكوك الجيش السوداني التي أثيرت حول دولة خليجية ما تعمل داعمًا رئيسًا للميليشا ، مع تطور محموم و تصاعد في المنحى الذي ندد فيه الحارث إدريس سفير السودان في الأمم المتحدة بدورها القذر في جلسة مجلس الأمن ليطلبوا بعد ذلك باتخاذ أو فرض عقوبات عليها ليطرح السؤال المكرر لدرجة الرتابة يكمن باحتمالية انتهاء الحرب الأهلية في السودان بضغط دولي !!
 

المنبوذ الوحيد : السودان باعتبارها حرب أبدية منسية
 
تعاني السودان من أزمة إنسانية مركبة و كارثية حقًا في إطار الحرب الدائرة حاليًا تتمثل في أزمات غير قابلة للحل ، و كذلك أرض محروقة غير قابلة للإعمار إلا بعد احتمالية ضعيفة لانتهاء الحرب ، وسط مسائل معقدة غير قابلة للحل بين قوات الدعم السريع و الجيش السوداني ما يدفع لإثارة الشكوك حول إمكانية الغرب من إيقافها عن طريق تصنيف الدعم السريع كجماعة إرهابية لكنه مشغول في عديد من القضايا المشتعلة على رأسها غزة و أوكرانيا.

 
رغم تقديمه وعوده السخية بتقديم مبلغ ٥٠ مليون دولار لإعادة الإعمار ، فإنه لم يقدم منهم أي فلس حتى الآن بل يذهب مالك عقار نائب رئيس مجلس السيادة إلي تكرار الغرب الأعور بتقديمه الأموال دون تنفيذ “فعلي “يحقق أي تقدم فعلي للسودان “، و لعل هذا ما جعل آلان دوسيل رئيس وحدة القرن الإفريقي في مجموعة الأزمات الدولية لاعتبار الحرب غير منتهية من الأساس ، ما يضع الدولة الضخمة في عزلة دولية يجعلها منبوذة وحيدة في عصر الحروب الأبدية  في العديد من الأقاليم الاستراتيجية مثل الوسط الإسلامي و شرق أسيا و روسيا مع أوكرانيا و كذلك الحرب التجارية مع الصين .

في ظل الحرب الأبدية كما يسميها العديد من الخبراء ، من الضروري عودة السودان للمشهد السياسي و الاقتصادي العالمي لا باعتبارها سلة غذاء ثرية و متنوعة ، لكن دولة ذات ثقل في الأحداث العالمية مع كافة المستويات الدبلوماسية و العسكرية لإيقاف الحرب السودانية لعدم اتساع الحرب السودانية بشمولها لكوارث كبرى أخرى كما تشير الكاتبة نسرين مالك في مقال لها على صحفية الجارديان البريطانية في ٨ فبراير الماضي ، فضلًا عن عدم استمرارها باعتبارها حرب أبدية مدمرة شعارها النزوح ممزوجة بالمجاعات الضخمة و الكبيرة التي تدمر البلاد دون رجعة، و لعل المستقبل يفشل توقعاتنا التشاؤمية عن بلد طالما كان جزءًا لا يتجزأ من مصر على مدار أكثر من نصف قرن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى