اخبار عالمية

من الوحوش الضارية للحشرات عديمة الجدوى: المسار المرعب لنزع الأنسنة من هتلر لنتنياهو و الأسد 

كتب/ مصطفى نصار  
لعل من أشهر الذكريات المؤلمة التي مرت على الشعوب العربية بالفعل مشاهد التعذيب و الشهادات المسربة سواء من السجون السورية أو المسالخ البشرية، أو السجون الإسرائيلية مثل سدي تيمان ، و جلبوع ، و تل أبيب،  و عوفر  مما يطرح أسئلة مهمة للغاية مجتمعة حول العنف و الفزع ، و الخوف مما تشكل صورة متكاملة الأركان حول الشر المتجذر و علاقاته الموثوقة و المتبادلة و الانعكاسية على حياتنا العملية و المهنية .
 
و لذا ، يشوب الخلط بين المشاعر السلبية و المختلطة حيال التصرف و هو في حالة السجن ، لإنه ببساطة يشعر بالتوجس و الربية الممزوجة بالانغلاق و التحجر ، مما يعكس ثنائية فريدة في التاريخ الإنساني و هي الجلاد و الضاحية أو كما يقول الفيلسوف الإنجليزي ديفيد ليفتسجنتون سميث “الوحش المفترس ، و الفريسة البريئة “. و يروم هذا الأمر برمته للقول بأصولية جنيولوجية العنف في الوعي البشري لتختم الفلسفة السياسية الغربية أواخر أبوابها بكشف اللثام عما يطلق عليه اصطلاحًا التجريد من الإنسانية، و يقصد بها باختصار التصوير البشري أو الإدعاءات المؤدلجة بأن أي خصم أيا كان مجاله عبارة عن حيوان أو رقم يجب قتله أو تعذيبه العنيف و الوحشي المضر .
 
و يتزامن ذلك التوحش العنيف مع ترديد عنيف و كبير من الأكاذيب و الأفكار المبثة حول أوليئك الوحوش الضارية التي ستهدم عالمنا المتوازن ، و الهادئ المسالم ، و تعدد المسميات المطلقة عليهم ما بين إرهابين،  و معاديين للسامية ، أو راديكاليين مع نسيان أو تغافل معتمد لإرهاب الفاعل أو المريد أو المبيد في تلك الحالة إما تفاديًا لفشلهم أو لتكوين سردية منتصرة لعنفهم و إرهابهم ، و لعل ذلك ما جعل المفكر و الفيلسوف سلافوي جيجك القول بأن الرأي المرحج في تلك الحالة “أن العنف المسموح به عنف غربي فقط”
 
تطول قصتها الطويلة و الحقيقة  عبر التاريخ لتبدأ منذ السيطرة الغربية على الفكر و الثقافة لنشأة الدولة الحديثة ، مما يعتبر التجرد من الإنسانية و الحيوانة خلاصة شديدة العنف و التوحش خاصة بالغرب ، و انتقلت للشرق عير تطبيق و فرض النموذج الغربي للدولة الحديثة عليه ، و التي تحمل من أعمق أعماقها جذور تلمودية ، و توارتية متصلة بالتصاق كما يوضح ستنانش كالفيانس في كتابه صعود الديمقراطية المسيحة ، الأمر الذي جعل أبرز إفرازتها المنحطة تكمن في العنف بأخواته من أول التعذيب الوحشي للاختفاء للاعتقال . و غطت تلك المنظومة النازعة للإنسانية ، و المحيونة للإنسان قرابة قرنين و نصف منذ انتصار الثورة الفرنسية حتى سجون صيدنايا ، و ما يدور في السجون الإسرائيلية مثالًا، مرورًا بدولنا العربية كلها .
 
فوققًا لأستاذ علم الاجتماع و السياسية الدولية ، أنطونيو سيرلا ، يمدد نزع الأنسنة لزرع الخوف و الشر بداخل المرء ليغدو المنهج الأقرب،  بحسب قول مينو تير براك الناقد الهولندي تربية “الحقد و الضغنية “، ليتحول النمط السائد فيها مثلما تستنج مريم شهندي في مقالها أدوات نزع الأنسنة . و ذلك يطرح فرضية معقدة بخصوص أصولية الشر في الإنسان و أغراضه ، و هل نحن أشرار بالفطرة كما يقول الفيلسوف الإنجليزي توماس هوبز أم أخيار و طيبون وفقًا لرأي جون لوك .
 
تأثير الشيطان المشروع :بين هتلر و الأسد .
عندما دعا البروفسير الأمريكي في علم النفس السريري فيليب زبمباردو العديد من الطلاب للقيام بتجربة تكاد تصنف كالأكثر رعبًا ، و ذلك بتصنيفه لنصف الطلاب باعتبارهم سجناء ، و النصف الآخر بصفتهم ضباط و تولى البروفسور رئاسة السجن المفترض حتى سيطر عليه الشعور العام بالسطوة و الهيمنة على نفسه . و لولا مساعدته كريستيان مليرتيش لكان ربع الطلاب أصبحوا في عداد الموتى ، و قام البروفسور بكتابة تأثير الشيطان كتابه الأشهر عن السادية و قابلية التحول للأشرار أو وحوش ضارية غرضها فقط التلذذ بالتعذيب و الإيذاء .
 
طبق هتلر أنماط  زبمباردو الثلاثة بحذافيرها و تفاصيلها المخيفة ، حيث سجن ، و سحل المعارضين ، و ألقاهم في معسكرات الاعتقال المفزعة مثل جيتو وارسو و أورشتفيز ، الأمر الذي الفيلسوف الإيطالي جورجيو أغامبين يفترض أن هتلر جينوجاليته الشريرة لم تجد تلك الاحتمالية لتطبيقها إلا على ضعفاء ، و هذا خير تمثيل للدولة الحديثة ، أو كما يقول الدكتور وائل حلاق في الدولة المستحيلة احتمالية وجود الأخلاق في الدول أمر عسير التحقق غير عبر آليات القانون ،و لهذا السبب صيغ القانون الدولي في الأساس . إن عجز حضارة الغرب عن منع هتلر جعلها عالمية .
 
و شملت تلك التطبيقات الدائرة العديد من المنظومات الأخلاقية العملية التي تنزع القيمة من الحياة أولًا ثم تنتقل للإنسان ثم تغطي بقيمها الجديدة الكون ، للاستغلال المناسب لها إما لترويض الإنسان أو صنع العدو المناسب له بزعم أنه حشرة أو خروف أو أي حيوان آخر لا دية له ، و لإحكام الدائرة تأتي الخطوة الأخيرة ، و تتخلص باختصار في إصباغ القتل و التعذيب بالمشروعية اللازمة سواء على مستوى الأخلاق أو قانونية القتل . و القانونية المعطاءة هنا هي المفتاح الأساسي للدخول “لسيكولوجية الجلاد “بتعبير الدكتور مصطفى حجازي في كتابه الإنسان المهدور . و للمفارقة ، تلك النفسية الدنيئة و الحقيرة يعدها الجلاد باعتبارها عملًا عظيمًا أو بطوليًا و ربما تجده يحب الفنون و الموسيقي الكلاسيكة مثل هتلر و مجرمي سجن صيدنايا .
 
 
و هذا ما تعجب له الباحث السوري حسام جزماتي في مقال له على موقع تليفزيون سوريا ، يطرح فيه خلال عمله البحثي على السجون مكتشفًا بذلك أن العاملين و الضباط في السجون السورية كانوا متعبين من الوظيفة ليس من ذنب الضمير العميق أو الشعور بالندم ، بل في صعوبة الوظيفة و مشتقتها الشديدة من سهر و قلة النوم مع الدوام ذا الساعات الطويلة مكونين بذلك نوع فصامي من الفصل القسري بين الأخلاق و العمل ، و رأوا السجناء و المعذبين و الأموات كمستحقين لذلك بجدارة .
 
و هكذا يتحول الإنسان العاقل ، لقاتل غير سوي و محب للحياة و الفنون و الآداب ،  بنمط تاريخي و نفسي شائع وفقًا لعالمي النفس ألبرت باندروا أستاذ علم النفس في مراجعه الضخم تحت عنوان”العنف :كيف يتحول البشر لمعذبين بارعين “فيما يناهز الآلف صفحة ، متواصلًا لحقيقة نفسية اجتماعية أن العقل الجمعي ينفصل عن الأخلاق الفردية و القيم الحقيقة التي يؤمن بها الفرد ، مما يمحي الخط الفاصل بين الخير و الشر و العنف بتفاهته كما أشارت حنة أرندت في كتابها تفاهة الشر . إن الكيان الإسرائيلي استثناء من القاعدة الشائعة نظرًا لاعتماده على السياسة الإحلالية و الأيدولوجيا المردكلة الصهيونية مثلما ذكر جيفري لندر أستاذ العلوم السياسية في سورس بجامعة لندن.

الكيان الحيواني: غواية و عشق الصهيونية لنزع الأنسنة .

في مقالها السالف ذكره “أدوات نزع الأنسنة “، تؤكد الباحثة القانونية و الأكاديمية مريم شهندي أن الكيان الإسرائيلي ينتهج نزع الأنسنة لإنها “في جذوره التاريخية” ،  و لذلك كان من البديهي أن تظهر تلك الجذور على شكلها المدمر في الإبادة الجماعية،  بل إن تلك النتيجة الحتمية نظرًا لطبيعية الصهيونية الإحلالية ، و لهذا يرجع المحللون الفضل لليمين المتطرف مثل بن غفير و سموطيش لتأجيج نيران الحرب على مدار ١٥ شهرًا .

و المجازر البشعة التي يرأها العالم أجمع بربرية ووحشية ، كان يعتبرها المسؤولون الصهاينة ، و على رأسهم نتنياهو أنها حماية أو سموطتيش بصفتها نتيجة مستحقة، و لذلك وصف الكاتب الإسرائيلي جوناثان كوك تلك الحالة الجنونية بدقة كحزب الإبادة الجماعية.  فبغض النظر عن تعرض اليهود لظلم بين ، فطبقه الصهاينة بطريقة أكثر فداحة و فحشًا ليتوضح لنا في نهاية المطاف أن الصهيونية نازية تحكم كيان حيواني حقير .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى