رواية مملكة الهالوك للروائي خالد بدوى على مائدة النقد العربي ودراسة نقدية.. للناقد الكبير عقيل هاشم
كتب: أحمد بدوي
سرديات الهامش من جذوة التخييل .. إلى مجازات اللغة الروائية سردية أخرى شديدة البؤس يسردها علينا الكاتب خالد بدوي تحكي عن مصائر شريحة الهامش -السريَحة- في ظل الانهيار القيمي والأخلاقي وانحدار المستوى المعيشي والاقتصادي، وهو نوع من النقد اللاذع يسرده لنا ليوقظ به الضمائر النائمة علها تستفيق وتلتفت لما يُعانيه قطاع كبير من البشر يعيشون خارج دوائر الضوء وتفصلهم مسافات شاسعة عن بؤر الاهتمام والعناية الاجتماعية تتعدد آيات الإهمال والإقصاء.
تتميز عوالم خالد بدوي الروائية بخصوصيات تتمثل في اقصاء الأمكنة وعطب الشخصيات، وتبدو كأنها محض تشريح للواقع العربي الذي ينفرد به كاتب وأديب، مهمته النبش في عوالم غائرة للمجتمع ، كي يصل إلى اصل الحكاية.
وقد اتبع أسلوباً خاصاً في تشييده لبنائه الإبداعي، فهو يولي التفاصيل الكبيرة والصغيرة اهتماماً، ولا يست وهوبعد من الأحداث ما يُدرك دوره وقيمته في سياق ما يورده من حكايات يتصل مُعظمها، أو بعضها بالتوجه النفسي للأبطال. ويستنطقها وغالباً ما تشي بقناعات الكاتب ذاته، مهما حاول التواري والاختباء خلف الشخصيات المعطوبة.
(المساكن المؤقتة , الحكومات ترتكب الجريمة غير اللائقة في حق شعوبها تحت مسميات لائقة , والاباء الفقراء ايضا يرتكبون نفس الجرائم لكن تحت مسمى القدر والنصيب . الجريمة الكبرى كانت بدرومات المساكن , غرف صغيرة تحت الارض تفتح ابوابها على ممر ضيق تشبه جحور الفئران..ص16..)
تُعد رواية ‘الهالوك’ للروائي المصري خالد بدوي خطوة ناجزة في منجز الرواية العربية، الرواية التي أرادها كاتبها ان تكون موجزة ومؤثرة من الفنية والأسلوب والذي حاول جاهدا ان يجعلها إمّا أن يرتقي بها إلى درجة الفن والإبداع أو أن يبقيها مجرد احتجاج فجّ يطفح بالمرارة والوجع ويعلن عقدة الاضطهاد والحرمان واستمرار الدائرة الجهنمية لواقع لا إنسانيّ متخلّف يمعن في تعذيب الواقعين بين فكّيه وخاصّة الطرف الأضعف رجلا كان أو امرأة .
‘الهالوك’ تعتبر حلقة ضمن مشروع الكاتب الذي ينتصر للإنسان وللغة وينحاز للمجتمع وفق رؤية جمالية ، والمراهنة على سيكولوجية الشخصيات ومدى تحولاتها ضمن سياق اجتماعي وثقافي ما، وبالتالي فهو يقارب قضايا من منطقة الظل يحكمها الصمت أو الخوف من العار من الزنا الحرام و زنا المحارم .
لقد استطاع الكاتب في هذه الرواية تقديم عملاً أدبيًا قوى البناء، عميق التحليل، ذو فكر ومنهج وأسلوب خاص الكاتب ينحت لغة خاصة به كما عهدناه في رواياته السابقة .
اذن هي عالم خفي لكشف العلاقات الإنسانية، هذه الرواية تحاول تفسيره في سيرورة الحياة لا تريد تبرير ما يجري . لأن التبرير يفترض الخطيئة. ولأن الحقيقة أحيانا مكلفة وتنتج عنها خسائر ثقيلة. فالذين لهم أسرار تعذبهم قد يجدون في هذا النص السردي فرصة لتقاسم الألم. فرصة للتصالح مع الذات ومع الماضي مهما كان قاسيا ومؤلما الرواية تنحاز للحكاية لكن بصرامة جمالية تطمح إلى تفكيك البنى الخفية للعلاقات الإنسانية تروم وتسليط الضوء على المناطق المظلمة.
اما المكان في الرواية مهمش ايضا في ارض الواقع فالمنيرة الغربية واجوارها حيث سيدي اسماعيل الامبابي ,اذن هي رسالة ادانة اراد الكاتب طرحها او تقديمها لنا
عن تفاصيل حياة المهاجرين. ورغم تخصيص الكاتب للبطل –حارس- بكونه من ريف الصعيد وهجرته إلى أطراف القاهرة، سواء برغبته في حياة أفضل أو الهروب من الفقر والمرض أو بسبب ظروف وكوارث مثل الزلازل وتهدم البيوت نتيجة لسوء حالتها
وربما الفوارق الطبقية تصبح أحيانًا سببًا في فصل المهاجر عن واقع بيئته الجديدة. وتؤدى إلى الانهيار والفشل .قد تقلل تلك الثقافات الخاصة من الانهيار السريع. لكنها في النهاية تكون عبأ وحاجزًا بين المهاجر والاندماج مع المجتمع الجديد.
(انفض المريدون حول الضريح , الليلة الكبيرة لمولد سيدي اسماعيل الامبابي تنتهي مع نهايتها غايتي من الجلوس امام المسجد اتحسس جدران شوارع وازقة مدينتي فتعرقلني سنوات الياس والندم دون رحمة , بقدم مرتعشة انزل الى درج السلم فهوت داخل الممر بين الغرف التي اسكن احداها . ظللت راقدا اتحسس النقود في جيبي اخشى فقدانها ..ص13)
-سيد اسماعيل امبابي , الضريح المكسو بقماش اخضر على كل جانب رقعة سوداء مزخرفة بأية قرانيه باللون الذهبي , وفي كل زاوية من المقام تعلق مسبحة خشبية كبيرة مكتوب على كل حبة منها اسم من اسماء الله الحسنى -ربما تكون سلوكيات الشخصيات المضطربة صراع ما بين ثنائية الايمان ونقيضه داخل المتن الروائي –الملاك / الشيطان والتي كانت إلى حدّ ما حبيسة وصايا المجتمع، وقد نجح الكاتب في تحويل الزخم السردي والحالة النفسية لأغلب فواعل الشخصيات وطقوسها إلى لحظة درامية ، بينما على النقيض تماما هناك الدنس والتي تبدو لوهلة مطنبة في الشبقية، لكنّ المتمعنّ فيه يفهم أنّ اماطة اللثام عنها لا علاقة لها بعرض مشاهد البرومو للمتعة فحسب، بل هي لحظة موضوعيّة تتطلب توازنا عقليا ونفسيّا ونضجا وهذا يظل أمرا نسبيّا ونادرا.
صغيرا كنت اتلصص من ثقوب باب هذا الحمام متطلعا الى لعورات بنات ونساء ورجال . جسد بض وعانة سوداء تتوسط فخذين من الثلج يعلوهما ثدي بكر مشدودان مائلان للصغر, جلد مجعد شق الزمان خطوط الياس عليه .ينتهي بي التلصص ..ص17)
يمكن أنّ نعد هذه الرواية من الروايات التي تؤسس مشغلها على سردنة الهامش، حيث يسعى الروائي للكشف عن وظيفة الشخصية المتشظية في هذا المجتمع ، وفي التعبير عما يحدث، وعن أن فعلها السردي هو تمثيل مفارق للخراب، ولكلّ ما تعانيه الشخصية من انشطارٍ واقعي أو رمزي، والتي حاول الروائي أن يحفر في عالمها(المسكوت عنه) وفي يومياتها، وفي سرائر مكانها الهامشي والعشوائي، والذي ينعكس عن(هوية الشخصية) في توصيفها السردي، وفي توصيف تحولها المضطرب والصاخب والمشوّه في الواقع الموغل بالكوابيس، والكآبة والعزل، والخاضع الى استبدادات مرعبة، بوصفها شخصيات مسكونة بكل تشوهات