يسر النوالي تكتب لـ«مصر الساعة»: نزيف الهجرة

في التاريخ العربي الحديث هناك مهجر تذكرنا به أشعار المهجريين الشهيرة لكن مهجرا آخر تجري وقائعه الآن يكاد يجافيه الشعر ويرتبط بمآس ظاهرة وأخرى مستترة وهو يمثل نزيفا عربيا متعدد المصادر لم تتوقف كثيرا في كيفية إيقافه أو على الأقل في إستيعاب هذا النزيف وجعله رصيدا يدعم قدراتنا عند الحاجة
ضاقت أسباب العيش وتدنت فرص الحياة الكريمة وتحولت الهجرة إلى نوع من الهروب والنزوح المستمر إلى أي مكان بأي وسيلة وأصبح العديد من البلاد العربية مناطق طاردة، طاردة لأبنائها وعقولها وثروتها البشرية وأصبح المواطن يعرض نفسه للسجن والموت الرخيص للهروب إلى بلاد لا تريده أصلا ولا تقبل بوجوده لقد أصبحت مآسي الهجرة قضية لا يمكن السكوت عليها وسنعاني منها أكثر في المستقبل القريب.
إن واقع المجتمع العربي السائد هو واقع مغرب يحيل الشعب وبخاصة طبقاته وفئاته المحرومة إلى كائنات عاجزة لا تقوى على مواجهة تحديات العصر فالنتيجة التي هي العجز بأشكاله المختلفة إقتصادية وإجتماعية وتنموية ومعرفية فإنها تتحول إلى إفراز نوع من الإغتراب الداخلي يدفع إلى إغتراب خارجي ويرمي بجحافل من المواطنين العرب على شواطئ الغرب سواء في هجرات شرعية أو غير شرعية لعلهم يجدون ما يهدئ إغترابهم الداخلي بالعثور على فرصة للرزق أو سانحة لتحقيق الذات أو حاضنة ترعى إمتياز الموهوبين منهم.
لكن الوصول إلى ذلك جميعا بات عسير المنال لدى الغالبية العظمى من المندفعين إلى الشاطئ الآخر لأسباب عديدة تجعل من هذا الإغتراب الجديد مختلفا عما سبقه وتجعل من نتائجه شيئا أكثر قسوة وتكلفة حتى إن لواعج الحنين في قضية الإغتراب العربي الجديد لم تعد ظاهرة محدودة بل هي متسعة ومتفاقمة الإتساع ولم يعد ممكنا أخلاقيا وعمليا تركها وشأنها في بحار متلاطمة، وبلا ضفاف.