أخبار

مجتمع تربى على أخلاق النبوة 

جريدة مصر الساعة

بقلم / محمـــد الدكـــروري

اليوم : الجمعة الموافق 6 سبتمبر 2024

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وإمتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه سبحانه وأشهد أن نبينا محمدا عبد الله ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه أما بعد، إن من المواقف التي تظهر جانب الصدق وأهميته ومراعاته لأقصى درجة هو ما حدث في غزوة بدر، حيث التقى رسول الله صلى الله عليه وسلم والصديق قبل الغزوة على مقربة من بدر مع شيخ من العرب يقال له سفيان الضمري، فسأله الرسول عن قريش وعن محمد وأصحابه وما بلغه من أخبارهم، فقال الشيخ لا أخبركما حتى تخبراني ممن أنتما؟ فقال الرسول “إذا أخبرتنا أخبرناك” قال ذاك بذاك؟ قال “نعم” قال الشيخ فإنه بلغني أن محمدا وأصحابه خرجوا يوم كذا وكذا، فإن كان صدق الذي أخبرني.

فهم اليوم بمكان كذا وكذا، للمكان الذي به رسول الله صلى الله عليه وسلم وبلغني أن قريشا خرجوا يوم كذا وكذا، فإن كان الذي أخبرني صدقني، فهم اليوم بمكان كذا وكذا، للمكان الذي به قريش، فلما فرغ من خبره، قال ممن أنتما؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “نحن من ماء” ثم انصرف عنه، فقال الشيخ ما من ماء؟ أمن ماء العراق؟ فقوله صلى الله عليه وسلم “نحن من ماء” من التوريات البديعة، وهو يحتمل معنيين معنى قريب، وهو المكان المعروف بهذا الاسم، والثاني بعيد، وهو الماء الذي خلق منه الإنسان، وهو ما قصده الرسول صلى الله عليه وسلم، وقال أبو بكر الجزائري فيما يستفاد من الغزوة هو مشروعية إستعمال الرموز والمعاريض والتورية في الكلام في حالة الحرب، والتعمية على العدو، ففي مقام الحرب والقتال.

قد يضطر الإنسان إلى عدم إلتزام الصدق في كل ما يقول مراعاة لمصالح أعلى تتعلق بحفظ النفوس والأموال والنسل، بل حفظ الدين نفسه، وقد كان إخبار الرسول صلى الله عليه وسلم الشيخ عن حقيقة هويته يشكل خطرا على المسلمين، رغم ذلك لم يلجأ النبي صلى الله عليه وسلم إلى الكذب، بل إستخدم التورية والتعريض وفي المعاريض مندوحة عن الكذب، وبذلك حفظ جناب الصدق في قوله بلا إضرار بالمصلَحة العامة، فالصدق خلق عظيم من أخلاق هذا الدين وهو خلق من سلك دربه وصل، ومن لزمه نجى، ومن عمل على إقامته أجر، وإنه سمة من سمات المؤمنين، وخُلق من أخلاق المتقين، وصفة من صفات أهل الصالحين، حث عليه الإله جل شأنه، ووعد من يتصف به دار النعيم، ذلكم هو الصدق، منارة الحق، وعنوان كل خير.

فما أحوجنا إلى الصدق في زمن كثر فيه الكذابون وقل فيه الصادقون، وإنتشر فيه الكذب وقل فيه الصدق، وإن المجتمع الإسلامي الأول مجتمع تربى على أخلاق النبوة وإستقى من نبعها الصافي، فهو مجتمع لا يعرف الأنانية والأثرة، وهاك صنفا من أصنافه يمتدحه النبي صلى الله عليه وسلم بصفة مثالية كريمة، لو سارت الأمة عليه اليوم ما بقي فيها فقير واحد، إنهم الأشعريون، الذين قال النبي صلى الله عليه وسلم فيهم ” إن الأشعريين إذا أرملوا في الغزو أو قل طعام عيالهم بالمدينة، جمعوا ما كان عندهم في ثوب واحد ثم إقتسموه بينهم في إناء واحد بالسوية فهم مني وأنا منهم ” رواه البخاري، واحذر أيها الأخ الكريم أن يخيّم عليك اليأس، فما زال في الأمة من الكرماء من يسير على خطى النبي المصطفي صلى الله عليه وسلم وسلفه الصالح.

فما نسينا أبدا حملات الخير والتبرع لإخواننا المستضعفين في كل مكان، وصور من العطاء تبتهج من سخائها النفوس وتسعد بعطائها القلوب وإن المشاهد لها ليجد أنها صمام الأمان لهذه الأرض وسر إستقرارها وأمنها، ولله الحمد والمنة، ويا لتعاسة البخل ما ألبس صاحبه إلا ثوب دناءة وذل، فقد عطب حصاده، ومنتنة رائحته لا يورث إلا الهلاك للأفراد والأمم والشعوب، يقول الصادق المصدوق محمد صلي الله عليه وسلم ” اتقوا الشح فإن الشح اهلك من كان قبلكم حملهم علي أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم ” رواه مسلم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى