منوعات

لا تقوم الساعة حتى يظهر الفحش والتفاحش

جريدة مصر الساعة

بقلم / محمـــد الدكـــروري

اليوم : السبت الموافق 31 أغسطس 2024
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، واهتدى بهداه إلى يوم الدين، أما بعد ذكرت كتب الفقه الإسلامي بأن الأمانة هي من أشراط الساعة فأين ورد ذلك؟ وللإجابة على السؤال السابق يلزمنا العودة إلى الكتب المعتمدة الموثوقة، لنستخرج منها ما صح من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الباب، وسنجد في هذا السياق حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنه أن رسول الله عليه الصلاة والسلام قال “لا تقوم الساعة حتى يظهر الفحش والتفاحش، وقطيعة الرحم، وسوء المجاورة، وحتى يؤتمن الخائن ويخوّن الأمين” رواه أحمد والترمذي، ففي الحديث النبوي السابق دلالة على ضياع الأمانة آخر الزمان، وليس الأمر مقصورا على التفريط فيها، بل الأدهى والأمرّ انقلاب الموازين عند الناس حتى يغدو من اشتهر بالخيانة.

ويعرف بها صادقا أمينا وينظر إلى الأمين حقا ممن عرف بالنزاهة بأنه خائن لها ومضيّع لما استؤمن عليه، وسنجد كذلك حديثا هو أعلى منه صحة لوروده في الصحيحين، ونسوق الحديث بتمامه ثم نبيّن معناه بعد ذلك عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثين، رأيت أحدهما وأنا أنتظر الآخر حدثنا أن الأمانة نزلت في جذر قلوب الرجال، ثم علموا من القرآن، ثم علموا من السنة، وحدثنا عن رفعها فقال صلى الله عليه وسلم “ينام الرجل النومة، فتقبض الأمانة من قلبه، فيظل أثرها مثل أثر الوكت، ثم ينام النومة فتقبض فيبقى أثرها مثل المجل، كجمر دحرجته على رجلك فنفط، فتراه منتبرا وليس فيه شيء، فيصبح الناس يتبايعون، فلا يكاد أحد يؤدي الأمانة، فيقال إن في بني فلان رجلا أمينا، ويقال للرجل ما أعقله وما أظرفه وما أجلده، وما في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان” متفق عليه،

أما قوله صلى الله عليه وسلم “نزلت في جذر قلوب الرجال ومعني الجذر هو الأصل من كل شيء، فيكون المعنى أن الأمانة قد نزلت في أصل قلوبهم، وقوله عليه الصلاة والسلام ” ينام الرجل نومة فتقبض الأمانة من قلبه” فالنوم المذكور هنا إما على حقيقته، بحيث ترفع الأمانة من قلبه مرة واحدة، وإما هو تعبير عن زوال التخلق بهذا الخلق شيئا فشيئا وقوله عليه الصلاة والسلام ” مثل أثر الوكت” فالوكت هو أثر الشيء اليسير في الجلد، بحيث يكون لون هذا الأثر مخالف لما حوله، وقوله عليه الصلاة والسلام ” مثل المجل” وهو ما يتركه العمل من آثار على اليد من خشونة ونتوءات، وقوله عليه الصلاة والسلام ” كجمر دحرجته على رجلك فنفط” هو بيان للإنتفاخ الحاصل في الجلد حين تصيبه جمرة.

وقوله عليه الصلاة والسلام “فتراه منتبرا” بمعنى أنه تورم وامتلأ ماء وصديدا، وبعد ذلك يمكننا أن نفهم المقصود من الحديثين اللذين أوردهما حذيفة رضي الله عنه، أما الأول فيتحدث عن وجود الأمانة بداية في قلوب الرجال، فكانت هي الباعثة على الأخذ بالكتاب والسنة، والأمانة كما يقول الإمام النووي الظاهر أن المراد بها التكليف الذي كلف الله تعالى به عباده، والعهد الذي أخذه عليهم في الأصل، والمذكور في قوله تعالى كما جاء في سورة الأحزاب “إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا ” فإذا استحكمت الأمانة في قلب العبد قام حينئذ بأداء التكاليف الواردة في القرآن وفي السنة، والمؤيدتان للفطرة التي فطر الله الناس عليها، فازداد إيمانه وأدّى الأمانة على أحسن وجه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى