فن وثقافة

ندى الحناوي تكتب: أنا بنتك.. مش خصمك

وقالت: “عندما لم يكن والدي يدي، كان ظهري.” – ليندا بويندكستر

“إن السبب الذي يجعل البنات يعشقن آباءهن أكثر من أي شيء آخر، هو أن هناك على الأقل رجلًا واحدًا في العالم لن يؤذيهن أبدًا.”

لأن الأب هو الرجل الأول وفارس الأحلام في حياة كل فتاة، فإن مشاعره الأبوية تلعب دورًا فريدًا في حياتها.
هو يمثل لها صورة “الرجل الحقيقي” أو “سوبرمان” في عينيها، بل أفضل رجل في العالم.
فهي تريد أن تتربع وحدها على عرش الحب في قلبه، ولا شيء يمكنه أن يزعزع هذه الفكرة من رأسها.
ومسؤوليته كأب تستلزم إظهار الحب، وبث مزيد من الثقة، لتمكينها من مواجهة العالم بسعادة وقوة في جميع مراحل حياتها.

ولكن، قد ترى فتاة اليوم في أبيها الرجل الذي يرفض كل تصرفاتها وحركاتها، فلا يرضى لها الجلوس أمام التلفاز أو الإنترنت،
ولا يريد لها أن ترتدي هذا أو ذاك. وربما ضغط عليها ماديًا، أو ضربها لإجبارها على تغيير سلوكياتها،
فتصبح غير راغبة في أن يعرف عنها شيئًا، رغم أن كل من حولها قد يعرفونه.
وربما بات جهد بعض الفتيات ينصبّ في إتقان إخفاء شخصياتهن الحقيقية عن آبائهن على وجه الخصوص!

وفي الحقيقة، مع تعاظم وتشابك أمور الحياة العصرية المعقدة، لن تجد الفتاة رجلًا يحميها أكثر من والدها،
وذلك إذا انتهج في تربيته وتعامله معها شرع الله الحنيف.

لقد رحّب الإسلام بالأنثى منذ ولادتها، واعتبرها هبة من الله عز وجل، كما في قوله تعالى:
“يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ” (سورة الشورى).
وقد قُدّمت الإناث على الذكور للمبالغة في تصحيح ثقافة كانت رائجة في المجتمع العربي القديم،
وهي أن الإناث بلاء ونقمة، وليست نعمة تستحق الحمد.

الإسلام أمر بإكرام المرأة، سواء كانت أمًا أو ابنة أو زوجة.

أيضًا، هناك بعض الآباء يؤمنون بأن من حقهم الاعتداء على بناتهم بالضرب كيفما شاءوا بحجة أنهم آباؤهن، ويهينونهن دون اكتراث.
لكن الإسلام حدد العلاقة بين الأب وابنته في إطار السلطة المشروعة.

فللأب حق التربية، ولكن للتربية أصول وضوابط شرعية،
ولها وسائل متعددة، ويُعدّ الضرب جائزًا فقط في حال الخطأ، وفق ضوابط دقيقة.

أما إن كان يضربها لأنها أنثى فقط، أو دون مبرر شرعي، فهو عاصٍ لله،
لأن البنت كرّمها الله سبحانه وتعالى، فهي من جملة بني آدم المكرّمين.

أُذكّر هنا بقول النبي عليه الصلاة والسلام: “استوصوا بالنساء خيرًا” (متفق عليه)،
وقوله: “رُوَيْدَكَ بالقَوَارِيرِ” (متفق عليه)، أي رفقًا بالقوارير،
فالفتاة رقيقة النفس والجسد، والإهانة والضرب يؤثران بها أكثر مما يتأثر الذكر.

أيضًا، مبدأ “الطاعة العمياء” للأب قد يتسبب في تعقيد نفوس بعض الفتيات،
وقد جاء هذا من الجهل بالحقوق والواجبات من قبل الأب.

فالأب في الغالب يفهم أن حق القوامة هو حق سلطوي،
وفي الحقيقة، القوامة تكليف بالقيام على رعاية الأسرة وحسن تصريف شؤونها،
وهي مسؤولية يُسأل عنها الرجل أمام الله سبحانه وتعالى.

سيسأل الله تعالى كلا منهما: هل أدى ما عليه من واجبات تجاه الآخر؟
وهل منع أحدهما حقوق الآخر التي عنده؟
ولهذا فالحياة فرصة لأن نبرئ ذمتنا من حقوق الآخرين، حتى إن كانوا أبناءنا أو آباءنا.

وفي الوقت الحالي، إذا تعرضت الفتاة لورطة أو مشكلة، فإن أول ما تخشاه هو أن يعرف والدها،
وقد يعرّضها ذلك للخطر. فما السبيل لجعل الأب هو الملاذ الأول في تلك المواقف الحياتية؟

أستطيع القول إن الأمر متعلق بثقافة الأسرة العربية ذاتها، وبمدى فهمها لعلاقة الآباء بالأبناء.
في كثير من الأسر، علاقة الأبناء بآبائهم جيدة، وليست علاقة تسلط وسلطة،
بل علاقة ودّ وحب وصدق وأمانة.
وفي مثل هذه الحالة، لا يوجد الخوف السابق ذكره، ويمكن للفتاة أن تكون أكثر أمنًا ومصداقية مع أهلها.

لكن حينما تكون علاقة الأب ببناته علاقة تسلطية، لا تشعر الفتاة بالأمان،
وحينما تشعر أن أباها غير متفهّم، فإنها تخشى البوح له،
حتى لو كانت مغرّرًا بها، أو كانت ضحية لملاحقة.

العلاقة تتعلق بمدى انفتاح الأب على أبنائه،
ومدى انفتاح الأسرة بعضها على بعض.
دفء العلاقة الأسرية مهم جدًا،
والوضوح، والصراحة، والمكاشفة، والشفافية مهمة جدًا.
من المهم جدًا أن يكون الأب صديقًا لابنته،
وأن يكون الحوار بينهما مستمرًا.

لا يصح أن نمنع الفتاة من مصارحتنا بالمشكلات التي تمر بها.
فأي إنسان يستطيع أن يطرح مشاكله بطريقة لبقة،
ولنا في القرآن الكريم أمثلة كثيرة جدًا.

يجب أن يتفهم الأب حدود سلطته،
ويفرّق بين التودد للأولاد والرفق واللين، وبين الضعف،
ويفرّق بين الحزم، وبين الكبرياء والغرور.
يجب أن يساعد الأب أبناءه في تشكيل شخصياتهم،
ولكي يتقبلوا ذلك، يجب أن يُغدق عليهم مشاعر الحب والحنان.

وفي النهاية: لا بد من التحاور… لا بد من التحاور.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى