اخبار عالمية

عباءة قبيلة تحت الزي العسكري.. أزمة الهوية في السودان تعريها الحرب 

شنت قوات الدعم السريع عدة هجومات مركزة و مكثفة تحولت لمعارك ضارية في ولاية الجزيرة و إقليم دارفور فى السودان نتج عنها مئات المصابين ، و عشرات الشهداء من الشعب السوداني.

كتب: مصطفى نصار 
شنت قوات الدعم السريع عدة هجومات مركزة و مكثفة تحولت لمعارك ضارية في ولاية الجزيرة و إقليم دارفور فى السودان نتج عنها مئات المصابين ، و عشرات الشهداء من الشعب السوداني ، و ما زاد فداحة هذا الجرم ضربهم لمخيم زمزم للاجئين الذي هجر له قرابة نصف مليون سوداني بعد محاصرة دامت أسبوعين و نصف ، معجلة بتخريج بيان أممي يحذر من تفاقم المجاعة في الإقليم نفسه بعد أن قذفه الدعم السريع عدة مرات ، مخلفًا أكثر من ٢٠ شهيدًا و مئات المصابين.

 
و ليس هذه المرة الأولى التي تشهد السودان تلك الإبادات العرقية الناجمة عن اختلافات عرقية و سياسية ، لإن تاريخيًا ملي بمجازر دارفور التي خصصت لها دراسات كاملة لتحلل ما وراء تلك الإبادات العرقية و الجنسية ، مستنتجين أن السبب الأعمق و الأبرز أزمة هوية فيما بين القبائل و العصبيات التي عمقها عمر البشير عبر تسريب ميليشات الجنجويد على الإقليم ، مرتكبة أبشع و أفظع المجازر ، مما أدى لقتل أكثر من ٣ مليون شخص ، و إصابة مئات الآلاف من الأشخاص مع تدمير كامل لبنى إقليم دارفور التحتية ، و رجوعه للقرون الوسطى ، مما أذهل محمود ممداني  الأستاذ الفخري في جامعة كولومبيا الأمريكية للأنثروبولوجيا مؤكدًا أن الإبادة الجماعية في دارفور على أساس عرقي تمت لتحقق أوهام الإنقاذ للدولة آنذاك .
 
 
و لا يتوقف ممداني عن تفاصيل مفزعة في كتاب خصصه لدارفور خاصة تحت اسم ناجون و منقذون ، يسرد فيه أكثر من ٨٠ مذبحة بكل تفاصيلها من فظائع تثير الرغب و الشفقة على الضحايا ، لإن شملت اغتصاب للقصر ، و إغراق القرى و قطع الخدمات الأساسية عنها من  مياه و كهرباء ، و اغتصاب النساء و حفر الضحايا لقبورهم بعائلتهم ، مما رسم صورة متكاملة الأركان،  من العصبية القبيلة ،و الحزبية العرقية وفقًا لمحمود ممداني ذاته .
 

و يلفت النظر هنا لملاحظة الاعتزاز القبلي من جنود الجنجويد بقبيلة الزريقات ، مما غمق الحس النرجسي لديهم ، و قتلهم بضمير مرتاح البال كأنهم جرذان، بالمخالفة لطبيعية الشعب السوداني نفسه ، جاعلًا العملية تستمر قرابة ال٣ سنوات منذ ١٩٩٨ ل ٢٠٠٣ ،و أرسل رسالة لقبائل و عائلات جبل عامر مثل الزريقات و الماهرية ، و الذي ميزتها الحكومة بأفضلية كبيرة بتعيين  لقادة الدعم السريع  من نفس القبيلتين ، مخلفًا احتقانًا عنصريًا بين أفراد الدعم نفسهم ، بين قوات الميليشيا و الشعب بنطاق أكبر ، خلق حالة من الرعب و التحوط عند التعامل مع إقليم دارفور و قضاياه على وجه التحديد ، حتى سقوط نظام البشير في سبتمبر ٢٠١٩ .
 

فعقب انتصار الثورة السودانية عام ٢٠١٩ ، انخفضت  نبرة القبيلة و العرقية في السودان لطبخ الثورة المضادة و احتواء غضب الشارع ، الا أن تسارعت الأحداث بخلاف حميدتي مع الجيش حول دمج قوات الدعم السريع، لغاية الرفض الشهير حول المدة المخصصة لذلك ،فاشتغلت الحرب الأهلية بين الفصلين المسلحين ؛الجيش السوداني ،و الدعم السريع ، تاركًا وراهما عام و نصف تقربيًا من ٤٠ ألف شهيد ، و قرابة ربع مليون مصاب  وفقًا لتقرير منظمة أطباء بلا حدود ، و مجاعات متعددة لتختم تلك الصورة بالانقسامات القبيلة بين قوات الفصيل الواحد سواء الجيش أو الدعم السريع ، حول استحقاقية أي من القبائل تستحق قيادة الفيصل و بعدها قيادة السودان ككل .
 
من دارفور للجزيرة …عبثية العرقية و القومية القبيلة في قوات الدعم السريع
 
في خضم معارك الأسبوع الماضي، تعالت عدة أصوات عقب الهزيمة المدوية من الجيش السوداني لتلصق الهزيمة بالجنود الصغار لانتماءاتهم القبيلة ، و العرقية لإنهم من قبيلة أخرى غير الزريقات و الأمهرية ، غير أن بعض الجنود انشقوا و ذهبوا للجيش السوداني ، فأعمل الدعم السريع فيهم سلاحه و قام بالمجازر ضد المدنيين و الثابتين من الجنود المنشقين مما عمق الأزمة المتعلقة بالحرب الأهلية عامة ، والتفكك السريع للقوات الميليشاية اللائح في الأفق .
 

و من اللافت للنظر قدم الاختلاف و الخلاف المتناحر و الكبير بين القبائل في الميليشات ، لكثرتها و تنوعها ، فعددهم ٨٦ ميليشا مسلحة ، و يقعون جميعًا تحت قوات الدعم السريع،  مما قد ينتج اختلالات هيكيلة و بينية بينهم ، كما حدث في مخيمات دارفور منها زمزم ، و البئر و العبد بحسب انتمائهم السياسي و القبلي ، و هذا الأمر سرع وتيرة التمرد بحسب مقال أحمد سليم الصحفي في الشأن السوداني .

 
إن تزايد الوزن القبلي يزيد كذلك من احتمالية توسع التفكك و التشرذم لقوات الدعم السريع، لإنها شهدت في دارفور ذلك الهبوط على كافة الأصعدة برغم انتصارها الظاهري ، و قيامها بعملها الفعال في حماية الحدود لرفع العقوبات على نظام البشير في بداية الالفينيات المبكرة ، فاندهش ألكيس دي وال الباحث في الشئون الأفريقية من تلك الظاهرة العبثية التي من المفترض أنه تخطاها منذ فترة طويلة ، و تحديدًا منذ الاستقلال و الانفصال عن مصر في عام ١٩٥٦م ، لكن ما يذكره دي وال في كتابه “دافور :حرب طويلة و سلام قصير”يتخطى  مرحلة التنافس و تنفيذ الأمور ليصل لمحطة الإبادة العرقية بهدف الانتقام الوحشي .
 
و يعطي هذه الانتقام الوحشي دلالة على التحول التدريجي و المخيف من فكرة الدولة لفكرة  القبيلة ، ما حد من الاستقرار و الثبات الواحدوي  ، متصلًا على وجه العموم بالانقلاب الدوري و المستمر المتواجد منذ عهد جعفر النميري في منتصف السبعينات من القرن الماضي .
 
في الواقع ، لن تحل أزمة السودان بتلك الصراعات العبثية التي بدأت تتشكل ملامحها أيضًا عند الجيش  السوداني ، باعتبار أن حميدتي من قبيلة منحدرة أصولها من أثيوبيا ، و هذا مشابه لأزمات أخرى متطابقة لحد بعيد انتهت بعد عقود من الزمن عقب اشتعال أزمات لها نفس الملامح ، و الخصائص مثل زنجبار ،التي قتل فيها المسيحيون العمانين بصفتهم محتلين لأرضهم برغم تشاركهم منذ آلاف السنين و لم تنته تلك الأزمة إلا بعد ست سنوات كاملة ، ناعيًا إياهم بنبرة حزينة الدكتور و الأكاديمي السوداني عبد الله إبراهيم في كتابه ثورة زنجبار ١٩٦٤ لينتهي بأن العقلية التي واجهت العرب في أفريقيا عقلية منغلقة و عرقية و استعلائية غير مستعدة لمواجهة الحقيقة و الواقع ، و كذلك لجوئهم للسلاح جاء نتيجة فقرهم المعرفي بالتاريخ و الجغرافيا ، أو حجة عكسية ظنت أن العرب مستوطنين لأرضهم و ليسوا مواطنين سكنوها و تشاركوها مع الأفارقة.
 
ما يميز السودان ، و ما يهدأ وطأة أزماتها السياسية و الاجتماعية حتى في ظل الحرب الأهلية هو الائتلاف العضوي و التضامن المترابط الذي يزيد من مرونة، و توحد مختلف القوى السياسية مثل تحالف تقدم ، و حزب الأمة و البعث السوداني و الحركة الإسلامية في السودان التي عصفت بها الحرب .

و مع ذلك،  فإن الخلافات الأيدولوجية و السياسية قد تشكل حجر عثرة تمنع من رؤية أن الدعم السريع أصبح مرتديًا العباءة القبلية تحت الأفرول العسكري ، مع دعم قوى إقليمية لمصالحها في الذهب و الغذاء كالإمارات و روسيا التي لم تر مفرًا من التدخل في الحرب فقط لتعويض الخسائر الاقتصادية من المستقنع الأوكراني .
 
 و مع ذلك ، فإن رفض كافة القوى العسكرية و المدنية عامل قوة قد يحول مجريات الأمور مذيبًا الخلافات و الصراعات الفكرية التي قد تترقي لعبثية و لامعقولية و إجرام الدعم السريع في إعمال السلاح في كل ما يناهضه أو يخلفه حتى لو كان على مستوى العباءة و اسم القبيلة فقط.

تابع موقع مصر الساعة عبر قناة (واتساب) اضغط هــــــــــــنا.

تابع موقع مصر الساعة عبر قناة (تليجرام) اضغط هــــــــــنا.

تابع موقع مصر الساعة عبر منصة X (تويتر) اضغط هنـــــــــــا.

موقع مصر الساعة، موقع إخباري شامل يهتم بتقديم خدمة صحفية متميزة للقارئ، وهدفنا أن نصل لقرائنا الأعزاء بالخبر الأدق والأسرع والحصري بما يليق بقواعد وقيم الأسرة المصرية، لذلك نقدم لكم مجموعة كبيرة من الأخبار المتنوعة داخل الأقسام التالية، الأخبار، الاقتصاد، حوادث وقضايا، فن وثقافة، أخبار الرياضة، أخبار عالمية، منوعات، محافظات، صحة ومرأة، بترولأخبار البنوك، أخبار العقارات ,خدمات، خدمات مثل سعر الدولار، سعر الذهب، سعر البيض والدواجن، سعر اليورو، سعر العملات الأجنبية، أسعار البنزين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى