فن وثقافة

صدور كتاب صنعات وحكايات من الموسيقى الأندلسية المغربية لعبد السلام الخلوفي

صدر مؤخرا عن دار سليكي أخوان الشهيرة، كتاب صنعات وحكايات من الموسيقى الأندلسية المغربية للفنان والباحث الموسيقي ومعد البرامج التلفزية الموسيقية الأستاذ عبد السلام الخلوفي، وهو محاولة للمساهمة في التأليفات المتعلقة بهذا الفن الباذخ، ولكن من وجهة أدبية صرفة، إذ صدرت أعمال تقارب الجوانب التاريخية وكتب خاصة بالأشعار المغناة في مختلف النوبات من أجل توفير المتن الشعري لكل من يود أداء طرب الآلة، وكتب أخرى اختارت التدوين الموسيقي لنوبات الآلة، لكن عنصرا هاما وأساسيا بقي فيه نقص حاصل، وهو كيف يفك الممارس والمتلقي مغالق بعض النصوص المؤداة، لذلك كان هذا الكتاب الذي توجه لأصغر مكون لكل ميزان من ميازين النوبات الأندلسية، وهي الصنعة والمقصود بها كل مقطوعة شعرية موجودة في هذا الطرب سواء كانت من الفصيح أو من الموشح أو من الزجل أو من البرولة وتعني الأشعار المنظومة بالعامية المغربية، ومحاولة موقعته ضمن نصه الأصلي وتفكيك بنيته لغة وعروضا وبلاغة ومعانيَ، لأني أعتبر أن مسألة فهم الأشعار هي مدخل أساسي للتذوق الواعي.

اختار المؤلف كعنوان للكتاب: “صنعات وحكايات من الموسيقى الأندلسية المغربية” لأن الغرض من التأليف كان هو وضع الصنعة أي المقطوعة الشعرية الواحدة تحت المجهر، وكل صنعة تخفي وراءها حكاية بل حكايات سواء تعلق الحكي بالشاعر أو بزمانه أو بالظروف التي قيلت فيها، وبعلاقاتها المتشعبة مع بقية الأبيات المشكلة للقصيدة الأم، أو علاقة الصنعة بصنواتها التي تسبقها أو التي تليها، ومختلف تقاطعات الصنعة مع مثيلات لها في المعنى أو المبنى، وبما أن الصنعات الثلاثين التي اخترتها لهذا الكتاب تغنى في موسيقانا الأندلسية المغربية، فكان لابد أن يعكس عنوان الكتاب كل هذه المعطيات.

لذا عزمت أن أطرق بابا لم يتم الالتفات إليه سابقا، ويتطلب أن يجمع الإنسان بين الممارسة الفعلية لهذا الفن لفهم خباياه ومن جهة أخرى الإلمام بالعديد من علوم اللغة العربية، وبما أن ممارستي الميدانية في هذا الفن هي أربعة عقود كاملة، وبما أنني زوالت مهنة التدريس للغة الضاد لمدة 33 سنة قضيت 13 سنة منها أستاذا مكونا لأساتذة هذه المادة بشعبة اللغة العربية بالمركز الجهوي لمهن التربية والتكوين بالرباط، فقد انبريت لهذه المغامرة بكل حماس.

سبق وأن صدرت المؤلف مجموعة من الدراسات حول الفنون التراثية المغربية، على شكل سلسلات في ثلاثين حلقة، تهم أنماطا متعددة من الفنون الأصيلة المغربية، كالموسيقى الأندلسية والغرناطية والملحون والمديح والسماع، في جرائد مغربية معروفة.

ويبعث الكاتب من خلال مؤلفه رسائل سواء للممارس أو للمتلقي، ، بالنسبة للممارس أداء فن الآلة بدون معرفة النصوص المغناة سيجعل الأمر لا يتجاوز الأداء الميكانيكي، وبالتالي سيكون خاليا من أي إحساس وهذا يؤثر بكل تأكيد على عملية التلقي. وبالنسبة للمتلقي الرسالة هي كون الانتقال من مرحلة الولع والكلف العفويين، إلى مرحلة الشغف عن معرفة، تتطلب فك مغالق النصوص المغناة في الآلة لتذوق أفضل لهذا الفن، ورسالة ثالثة بالنسبة للذين يناصبون هذا الفن العداء ويختزلونه في عبارات طريطان يا لالان، دون أن يبذلوا مجهودا للتعرف عن قرب من نصوص هذا الطرب، وهم في الحقيقة معذورون أحيانا فطريقة أداء هذا الفن بشكل جماعي مع تداخل الأصوات، وبنية ألحان هذه الصنعات حيث نجد مدودا ليست في محلها أو اختفاء هذه المدود عند الحاجة إليها، تجعل من باب الاستحالة تمييز النص الشعريّ وتبيان كلماته، هم مدعوون لإعادة النظر في موقفهم من خلال التقرب أكثر من هذه الصنعات ومحاولة استيعاب مضامينها وبالتالي تذوق جمالياتها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى