د. أيمن صابر سعيد يكتب: يوم الثقافة المصري

تعج مصر بالمبدعين، في كل المجالات، وعلى كل المستويات، وشتى الفروع، من أصحاب الفكر والوعي والبصيرة، وأصحاب الأفكار العلمية والاختراعات العملية، وأصحاب الوجدان والإبداع القصصي والروائي والفني؛
فكل واحد من المكرمين اليوم له تاريخ طويل في مجاله، وإبداعه، ويملك سيرة ذاتية محفورة في عقول المتخصصين، فإذا ما ذكرنا -على سبيل المثال لا الحصر- الأستاذ الدكتور أحمد درويش المرشح من لجنة الدراسات الأدبية واللغوية والنقدية، أو الأستاذ الدكتور أحمد زكريا الشلق المرشح من لجنة التاريخ والآثار، أو الروائي إبراهيم عبد المجيد المرشح من لجنة السرد القصصي والروائي
أو الأستاذ الدكتور مصطفى النشار المرشح من لجنة الفلسفة وعلم الاجتماع والأنثروبولوجيا، أو الأستاذ الدكتور يوسف نوفل مرشح النقابة العامة لاتحاد كتاب مصر، أو الشيخ ياسين التهامي مرشح نقابة المنشدين، وما أدراك من ياسين التهامي عند الصعايدة خاصة، داخل مصر وخارجها…إلخ.
كما حرصت وزارة الثقافة على تكريم أسماء الراحلين في عام 2024، من أمثال: الشاعر محمد إبراهيم أبو سنة، والأستاذ الدكتور عبد الوهاب عبد الحافظ، رئيس مجمع اللغة العربية، والأستاذ الدكتور أحمد شمس الدين الحجاجي، إلى جانب عدد كبير من الفنانين والمبدعين الذين أثروا الحياة الثقافية، في مجالات مختلفة،
وزاد هذه الاحتفالية بهجة ومكانة أنها أقيمت تحت رعاية كريمة من فخامة السيد رئيس الجمهورية لتأكيد رعاية الدولة لرموزها الوطنية، والاهتمام بنشر ثقافة التقدير ورد الجميل، لكل من جد واجتهد، وحاول نشر النور والمعرفة والثقافة، وبدأ بحلم ثم صار حقيقة ملموسة وواقعا لا ينكر، وقدموا القدوة الحسنة للأجيال الحالية واللاحقة.
ومن المشاهدات التي ستترسخ في الوجدان الفردي والجمعي تكريم أسماء الراحلين متمثلة في تسليم أبنائهم وأحفادهم شهادات التقدير، فلم يحصد الراحلون هذه الشهادات، وهم أحياء، ولكن تسليمها للأجيال التالية اعتراف بفضل السابقين، وتقعيد جديد في الأذهان أنهم رغم رحيلهم، فإن هناك من يذكرهم، ويكرمهم، ويراجع أعمالهم، فما ذهب ما قدموا هباء، فالفناء كان للجسد، ولكن الحضور أبدي، وتكريمهم خير شاهد على ذلك.
والآن، ماذا يعني التكريم للمبدع؟
إن دعوة أي شخص لحضور حفل تنظمه وزارة الثقافة المصرية، لهي سعادة ما بعدها سعادة؛ حيث إنها لتؤكد التقدير المقرون برد الجميل، والشكر المبذول من أجل ترسيخ الانتماء، لتراب هذه الأرض الطيبة، أرض مصر الحبيبة، وتنفي المقولة الشائعة: لا كرامة لنبي في وطنه، إذن، فلك أيها المبدع كرامة وتقدير في وطنك، وأعمالك مقدرة، و التكريم رسالة مضمونها: عليك الإبداع، وعلينا التكريم.
وليس التكريم بفكرة جديدة مستحدثة، فقد ورد في كتاب الله بالمعنى والدلالة، في آيات كثيرة، تحمل دلالة التكريم للصالحين والمتقين والفائزين بأعمالهم الصالحة، بل وكان الإعلان عن الجائزة سببا في تحفيز الإنسان للعمل والجد والحرص على اكتساب الحسنات حتى يفوز بالجنة التي أعدها الله جائزة لأصحاب الأعمال الصالحة الحسنة، وكي يتميز المحسن عن المسيء، والمجد عن الكسول.
ماذا نتمنى من وزارة الثقافة، بعد الاحتفالية؟
ذكر معالي الوزير بأنه يتمنى أن تكون احتفالية 8 يناير سنة حسنة تنفذ، في كل عام؛ لتكريم المبدعين المصريين، وأود أن اقول: إن عدد الشعب المصري، والذي تجاوز المائة مليون نسمة، لا يكفيه يوم واحد لتكريم المبدعين، ولا يكفيه أن يكون التكريم في محافظة القاهرة فقط، في هذا اليوم، فما نصيب الكفور والنجوع والقرى والأماكن المصرية النائية؟ إذن علينا في هذا اليوم -على الأقل، إن أبقيناه يوما واحدا- مع الاحتفالية التي تقام في القاهرة تكريم عدد كبير من المثقفين، ومن الوزير نفسه، على مستوى الجمهورية، عن طريق وسائل التكنولوجيا الحديثة (الكونفرانس)، في وجود مسئولي الثقافة في هذه المناطق، وتجميع عدد من المبدعين في المركز أو المحافظة، وإعلان أسمائهم وشكرهم،
ثم إرسال شهادات التقدير بعد ذلك، أو إرسال شهادات التقدير للمكرمين وإعلان ذلك في احتفالية يوم الثقافة، حتى نتعرف جميعا على المبدعين في كل مكان، من ربوع مصر الحبيبة، وأن تعلن أسماؤهم ووسائل التواصل معهم، حتى يتلاقى المبدعون علميا وفنيا وإبداعيا، أعتقد بتنفيذ هذه الآلية سيكون التكريم لمئات من المبدعين، إن لم يكن وصلنا لرقم الألف مكرم، ويكون يوم الثقافة المصري، من شرقها إلى غربها، ومن شمالها إلى جنوبها، بهدف ترسيخ فكرة الانتماء إلى الدولة المصرية، ويكون بذلك التكريم على مستوى الجمهورية كلها، إنه لحدث ستتوقف عنده الأجيال طويلا. عاشت مصر منبعا للحضارة، ومنارة للفكر والإبداع والتميز برجالها البررة المخلصين.