منوعات

د.أيمن صابر سعيد يكتب: ليس دفاعًا عن طه حسين (5)

 

وإذا ما انتقلنا إلى الاتهام الثاني الوارد في الشكوى المقدمة ضد طه حسين عن كتاب “في الشعر الجاهلي”، والمتمثل في التشكيك في موضوع القراءات القرآنية السبع، وأنها لم تنزل من عند الله، وإنما قرأتها العرب حسب استطاعتها ولهجاتها، لا كما أوحى الله بها إلى النبي- صلى الله عليه وسلم.

وهو في تشكيكه هذا في أمر القراءات السبع قد خالف إجماع الأمة على أنها منزلة من عند الله على نبيه، وأن ما جاء فيها من مخالفات في أصولها من فتح وتقليل وإمالة، وإدغام وإظهار ونقل وغير ذلك، كله منزل من عند الله على نبيه، ولم يؤذن  للسان أحد من البشر أن يتصرف في أي حرف أو كلمة جاءت في كتاب الله، واستدلوا على ذلك بكثير من الأحاديث، وكذلك بيان المراد بالأحرف السبعة

ومنها: حديث النبي- صلى الله عليه وسلم: “أقرأني جبريل على حرف؛ فلم أزل أستزيده ويزيدني حتى انتهى إلى سبعة أحرف”، وقوله -صلى الله عليه وسلم- لما تحاكم إليه سيدنا عمر بن الخطاب وهشام بن حكيم؛ بسبب ما ظهر من الاختلاف بين قراءة كل منهما “هكذا أنزلت أن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف، فاقرأوا ما تيسر منه”

وقالوا إن الحديث، وإن كان غير متواتر من حيث السند، إلا أنه متواتر من حيث المعنى، ويلاحظ أن حديث “أنزل القرآن على سبعة أحرف”، قد ورد من رواية نحو عشرين من الصحابة، بمعناه لا بنصه.

أما بيان المراد بالأحرف السبعة؛ ففيه خلاف كثير بين أهل العلم، وقد أوردها رئيس النيابة فيما نشره بالرجوع إلى المصادر والمراجع، ومنها أن المراد بها: الأوجه التي يقع بها الاختلاف في القراءة، وقال بعضهم إنها أوجه من المعاني المتفقة بالألفاظ المختلفة نحو: “أقبل، وهلم، وتعال، وعجل، وأسرع، وانظر، وأخر، وأمهل، ونحوه”

وقال بعضهم إنها أمر وزجر وترغيب وترهيب وجدل وقصص ومثل، وقال بعضهم إنها سبع لغات متفرقة في القرآن لسبعة أحياء من قبائل العرب مختلفة الألسن،

وقال بعضهم إن المراد سبعة أوجه في أداء التلاوة وكيفية النطق بالكلمات التي فيها من إدغام وإظهار وتفخيم وترقيق وإمالة وإشباع ومد وقصر وتشديد وتخفيف وتليين

؛ لأن العرب كانت مختلفة اللغات في هذه الوجوه؛ فيسر الله عليهم؛ ليقرأ كل إنسان بما يوافق لغته، ويسهل على لسانه، وقال غيرهم خلاف ذلك، بل وقد ذكر -نقلا عن الحافظ أبي حاتم البستي- أن أهل العلم اختلفوا في معنى الأحرف السبعة في خمسة وثلاثين قولًا.

وقد حاول طه حسين في هذه النقطة أن يدلل على أن القرآن قد تلي بلهجة قريش، ولهجتها لم يكد يتناوله القراء من القبائل المختلفة حتى كثرت قراءاته وتعددت اللهجات فيه، وتباينت تباينًا كثيرًا، جد القراء والعلماء المتأخرون في ضبطه وتحقيقه،

 

وأقاموا له علمًا أو علومًا خاصة، وقد أكد أن هدفه من قوله ببيان الاختلاف في القراءات؛ إنما يشير إلى اختلاف آخر يقبله العقل، ويسيغه النقل، وتقتضيه ضرورة اختلاف اللهجات بين قبائل العرب التي لم تستطع أن تغير حناجرها وألسنتها وشفاهها لتقرأ القرآن، كما كان يتلوه النبي -صلى الله عليه وسلم- وعشيرته من قريش؛ فقرأته

كما كانت تتكلم، فأمالت حيث لم تكن تميل، ومدت حيث لم تكن تمد، وقصرت حيث لم تكن تقصر، وسكنت حيث لم تكن تسكن، وأدغمت أو أخفت أو نقلت؛ حيث لم تكن تدغم، ولا تخفي، ولا تنقل.

وقد أوضح رئيس النيابة -بعد عرض ما ذكره طه حسين- أنه لم يتعرض لمسألة القراءات من حيث إنها منزلة أو غير منزلة، وإنما تحدث عن كثرة القراءات، وتعدد اللهجات، وهو بهذا يصف واقعًا، وفيه خلاف بين أهل العلم، ”

 

وإن صح رأي من قال إن المقصود بالأحرف السبعة هو القراءات السبع، فإن هذه الاختلافات التي كانت واقعة فعلًا كانت طبعًا هي السبب الذي دعا إلى الترخيص للنبي -صلى الله عليه وسلم- بأن يقرئ كل قوم بلغتهم…

 

وإن لم يصح هذا الرأي، فإن نوع القراءات الذي عناه المؤلف إنما هو من نوع ما أشار إليه “الطبري”، بقوله إنه بمعزل عن قول النبي -صلى الله عليه وسلم: “أمرت أن أقرأ القرآن علىي سبعة أحرف”؛ لأنه معلوم أنه لا حرف من حروف القرآن مما اختلفت القراءة في قراءته بهذا المعنى يوجب المراء به كفر المماري به في قول أحد من علماء الأمة.

ولذا، فقد انتهى رئيس النيابة في هذه المسألة -بعد رجوعه إلى المصادر والمراجع، وذكر بيانات كل مرجع ورقم الصفحة- إلى نتيجة مفادها أن ما ذكره المؤلف في هذه المسألة هو بحث علمي لا تعارض بينه وبين الدين لا اعتراض لنا عليه.

وأما عن الشروط الواجب توافرها في القراءة القرآنية، وتفسير مسألة القراءات القرآنية أذكر ما ذكره ابن الجزري في منظومة “طيبة النشر في القراءات العشر”؛ حيث قال:

فكلُّ ما وافقَ وجه نحوِ

وكان للرسم احتمالا يحوي

وصحَّ إسنادًا هو القرآن

فهذه الثلاثة الأركان

وحيثما يختل ركن أثبت

شذوذه لو أنه في السبعة

فكن على نهج سبيل السلف

في مجمع عليه أو مختلف

وأصل الاختلاف أن ربنا

أنزله بسبعة مهونا

وقيل في المراد منها أوجه

وكونه اختلاف لفظ أوجه

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى