منوعات

د . أيمن صابر سعيد يكتب: ليس دفاعا عن طه حسين(6)

قبل الولوج إلى استكمال بقية الاتهامات الموجهة إلى طه حسين في كتاب “في الشعر الجاهلي”، نؤكد ما أكده رئيس النيابة الموقرة أهمية وضرورة وحتمية فهم السياق الذي قيلت فيه العبارات وعدم بترها من سياقها حتى لا ينحرف الأمر إلى ما لم يقصده المؤلف؛ إ

ذ يقول: “ومن حيث إن العبارات التي يقول المبلغون إن فيها طعنًا على الدين الإسلامي إنما جاءت في كتاب في سياق الكلام على موضوعات كلها متعلقة بالغرض الذي ألِّف من أجله، فلأجل الفصل في هذه الشكوى لا يجوز انتزاع تلك العبارات من موضعها والنظر إليها منفصلة،

وإنما الواجب توصلًا إلى تقديرها تقديرًا صحيحًا بحثها حيث هي في موضعها من الكتاب ومناقشتها في السياق الذي وردت فيه، وبذلك يمكن الوقوف على قصد المؤلف منها وتقدير مسئوليته تقديرًا صحيحًا”.

 

وأما الاتهام الثالث، فقد ذكر رئيس النيابة نص ما ذكره حضرات المبلغين الذين ينسبون للأستاذ المؤلف أنه طعن في كتابه النبي -صلى الله عليه وسلم- طعنًا فاحشًا من حيث نسبه قال في ص ۷۲ من كتابه: “ونوع آخر من تأثير الدين في انتحال الشعر، وإضافته إلى الجاهليين، وهو ما يتصل بتعظيم شأن النبي من ناحية أسرته ونسبه إلى قريش،

 

فلأمر ما اقتنع الناس بأن النبي يجب أن يكون صفوة بني هاشم، وأن يكون بنو هاشم صفوة بني عبد مناف، وأن يكون بنو عبد مناف صفوة بني قصي، وأن تكون قصي صفوة قريش، وقريش صفوة مضر، ومضر صفوة عدنان، وعدنان صفوة العرب، والعرب صفوة الإنسانية كلها”.

كما ذكر بأن المؤلف قد قام بالتعدي وبالتعريض بنسب النبي -صلى الله عليه وسلم- والتحقير من قدره، وهو ما يعد تعديًّا على الدين الإسلامي، وجرم عظيم يسيء إلى المسلمين عامة؛ ومن ثمَّ فقد اجترأ المؤلف على أمر لم يسبقه إليه كافر ولا مشرك.

 

وهنا يؤكد رئيس النيابة أن السياق الواردة فيه هذه العبارة جاءت أثناء كلامه عن قضية الانتحال وعلاقة ذلك بالدين، وكذلك الأسباب التي يعتقد أنها دعت المسلمين إلى انتحال الشعر،

 

ثم يبين أنه كان يقصد بالانتحال في بعض الأطوار إلى إثبات صحة النبوة وصدق النبي، وكان هذا النوع موجهًا إلى عامة الناس، وقال بعد ذلك: “والغرض من هذا الانتحال على ما يرجح، هو إرضاء حاجات العامة الذين يريدون المعجزة في كل شيء، ولا يكرهون أن يقال لهم إن من دلائل صدق النبي في رسالته أنه كان منتظرًا قبل أن يجيء بدهر طويل،

 

ثم وصل إلى ما يتعلق بتعظيم شأن النبي من ناحية أسرته ونسبه في قريش”.

وها هو يصل إلى نتيجة وقناعة فيما يتعلق بهذا الاتهام، مبينًا أن المؤلف مرة ثانية قد انحرف ببحثه إلى أمر لا صلة له بموضوع الكتاب، وقد ساقه هذا إلى منحدر خطير؛ إذ يقول: “ونحن لا نرى اعتراضًا على بحثه على هذا النحو من حيث هو، وإنما كل ما نلاحظه عليه أنه تكلم فيما يختص بأسرة النبي -صلى الله عليه وسلم- ونسبه في قريش بعبارة خالية من كل احترام، بل وبشكل تهكمي غير لائق، ولا يوجد في بحثه ما يدعوه لإيراد العبارة على هذا النحو”.

أما الاتهام الرابع الذي جاء في الشكوى والمتمثل في أن المؤلف أنكر أن للإسلام أولية في بلاد العرب، وأنه دين إبراهيم؛ إذ يقول في ص ۸۰: “أما المسلمون فقد أرادوا أن يثبتوا أن للإسلام أولية في بلاد العرب كانت قبل أن يبعث النبي، وأن خلاصة الدين الإسلامي وصفوته هي خلاصة الدين الحق الذي أوحاه الله إلى الأنبياء من قبل”… إلى أن قال في ص ۸۱ “وشاعت في العرب أثناء ظهور الإسلام وبعده فكرة أن الإسلام يجدد دين إبراهيم

 

ومن هنا أخذوا يعتقدون أن دين إبراهيم هذا قد كان دين العرب في عصر من العصور، ثم أعرضت عنه لما أضلها به المضلون، وانصرفت إلى عبادة الأوثان”.. إلى آخر ما ذكره في هذا الموضوع.

فيرى رئيس النيابة أن هذه النقطة متعلقة أيضا بسياق بحث بيان أسباب انتحال الشعر من حيث تأثير الدين على الانتحال، ويذهب إلى أنه لا ينبغي الاعتراض على البحث من حيث هو، خاصة أنه واجهه بما جاء في هذا الاتهام؛

فأقر وبيَّن في التحقيق “أنه لم ينكر أن الإسلام دين إبراهيم، ولا أن له أولية في العرب، وأن شأن ما ذكره في هذه المسألة كشأن ما ذكره في مسألة النسب: رأى القصاص اقتناع المسلمين بأن للإسلام أولية، وبأنه دين إبراهيم؛ فاستغلوا هذا الاقتناع، وأنشأوا حول هذه المسألة من الشعر والأخبار مثل ما أنشأوا حول مسألة النسب”.

وهنا يذهب رئيس النيابة إلى نتيجة مفادها “نحن لا نرى اعتراضًا على أن يكون مراده بما كتب في هذه المسألة هو ما ذكره، ولكننا نرى أنه كان سيئ التعبير جدًّا في بعض عباراته كقوله:

ولم يكن أحد قد احتكر ملة إبراهيم ولا زعم لنفسه الانفراد بتأويلها؛ فقد أخذ المسلمون يردون الإسلام في خلاصته إلى دين إبراهيم هذا الذي هو أقدم وأنقى من دين اليهود والنصارى، كقوله: “وشاعت في العرب أثناء ظهور الإسلام وبعده فكرة أن الإسلام يجدد دين إبراهيم.

 

ومن هنا أخذوا يعتقدون أن دين إبراهيم هذا قد كان دين العرب في عصر من العصور… لأن في إيراد عباراته على هذا النحو ما يشعر بأنه يقصد شيئًا آخر بجانب هذا المراد؛ خصوصًا إذا قربنا بين هذه العبارات وبين ما سبق له أن ذكره بشأن تشككه في وجود إبراهيم وما يتعلق به”.

وبعد مناقشة طه حسين في الاتهامات الأربعة التي عرضناها على مدار عدة مقالات، أمام رئيس نيابة مصر، في ذلك الوقت، محمد نور، أصدر سيادته الحكم بحيثياته.(وللموضوع بقية)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى