منوعات

د.أيمن صابر سعيد يكتب: القراءات القرآنية العشر الصغرى والكبرى


كثيرا ما نسمع عن شخص، أو من شخص أنه حاصل على “إجازة في القراءات العشر الصغرى”، أو “إجازة في القراءات العشر الكبرى”، ولا يلفت نظرنا إجازة مثلا في رواية حفص أو ورش أو قالون،، فبالطبع الحصول على إجازة في رواية واحدة من عشرين رواية، فرق عددي وجهد كبير واجتهاد وصبر وعزيمة ورحلة طويلة موفقة وممتعة، في سبيل معرفة قراءات القرآن التي نزلت على سيد الأنام، حافلة بتوفيق من الله وعونه وفضله على عباده.


وإذا كان القراء عشرة، فالرواة عشرون راويا، فماذا تعني القراءات العشر الصغرى والقراءات العشر الكبرى؟

قد  يرى البعض أنهم عشرة وكفى، ولكن الفرق شاسع بينهما، وهو ما نحب أن نوضحه، ونحفز محبي العلم للإقبال والصبر، في سبيل هذا الإنجاز الذي يستحق الصبر والسهر والجد ليل نهار، والمحافظة عليه مدى الحياة، فليست المشكلة في الحصول على الإجازة، ولكن الأهم هو تتابع المراجعة والتحصيل والقراءة المستمرة، ونقله إلى الآخرين.


ولتوضيح ذلك نتعرف على ثلاثة متون في القراءات القرآنية هي:

١- متن الشاطبية: يسمى “حرز الأماني ووجه التهاني في القراءات السبع”

بدأت ببسم الله أولا تبارك رحمانا رحيما وموئلا

وثنيت صلى الله ربي على الرضا محمد المهدى إلى الناس مرسلا

وتنتهي بالصلاة والسلام على محمد، سيد الخلق، راجيا حصول أصحابها على نفحات الخير والبركة،
وهي تقع في (1173) بيتا، للإمام القاسم بن فيرة بن خلف بن أحمد الشاطبي الرعيني الأندلسي، المتوفى سنة 590 ه،

وتعد أروع قصيدة كتبت في علم القراءات؛ وذلك لعذوبة ألفاظها، وجمال أسلوبها، وجودة سبكها وحبكها، وحسن اختيار معانيها، وقبل كل ذلك من درسها ينجذب إليها، ويتعلق بأبياتها، ويتلذذ بحلاوتها وسهولتها؛ ويشعر يقينا أن الله قد وضع لها ولمؤلفها القبول في الأرض؛ فشاعت وانتشرت بين الناس، وتلقاها العلماء والمشايخ بالقبول الحسن، واعتكفوا على شرحها وتيسيرها، في جميع الأقطار والأمصار،


تناول العلماء والفقهاء في أصول القراءات السبع: استعاذة، وبسملة، وسورة أم القرآن، وباب الإدغام الكبير، وباب هاء الكناية، وباب المد والقصر، وباب الهمزتين من كلمة، وباب الهمز المفرد، وباب نقل الهمزة إلى الساكن قبلها، وباب وقف حمزة وهشام على الهمز، وباب الإظهار والإدغام (ذكر ذال إذ- ذكر دال قد- ذكر تاء التأنيث- ذكر لام هل وبل)، باب اتفاقهم في إدغام إذ وقد وتاء التأنيث وهل وبل، وباب حروف قربت مخارجها، وباب أحكام النون الساكنة والتنوين، وباب الفتح والإمالة وبين اللفظين، وباب مذهب الكسائي في إمالة هاء التأنيث وما قبلها في الوقف، وباب مذاهبهم في الراءات، وباب اللامات، وباب الوقف على أواخر الكلم، وباب الوقف على مرسوم الخط، وباب مذاهبهم في ياءات الإضافة، وباب ياءات الزوائد، ثم فرشيات السور، ثم باب التكبير، وقد تضمن الخاتمة.


وهذه الأبواب السابقة موجودة في متني الدرة والطيبة.

٢- متن الدرة المضية في القراءات العشر في القراءات الثلاثة المتممة للعشر المرضية للإمام ابن الجزري المتوفى سنة 833ه:

قل الحمد لله الذي وحده علا
ومجده واسأل عونه وتوسلا
وصل على خير الأنام محمد
وسلم وآل والصحاب ومن تلا
وعدد أبياتها 241 بيتا، وتضم ثلاثة قراء، وهم: “أبو جعفر المدني، ويعقوب الحضرمي، وخلف العاشر”، من بحر الطويل، وحرف الروي اللام، وبذلك تكون معارضة للشاطبية وزنًا ورويًا، ونلاحظ ارتباط أبو جعفر المدني بنافع، وكذلك يعقوب الحضرمي بأبي عمرو البصري، أما خلف العاشر الذي لم ينفرد بل وافق الكوفيين؛ قراء ورواة}عاصم (شعبة/ حفص)- حمزة(خلف/ خلاد)- الكسائي (أبو الحارث/ الدوري)و قام العلماء والمشايخ بشرحها شرحا وافيا.

متن الشاطبية + متن الدرة = القراءات العشر الصغرى.


٣- متن طيبة النشر في القراءات العشر ألفها ابن الجزري (751-833) على بحر الرجز، وعدد أبياتها (1015)، تضم ما صح من القراءات عن النبي-صلى الله عليه وسلم، واقتصر عن كل إمام من القراء العشرة عن راويين، وعن كل راو على طريقين؛ إذ يقول:وهذه الرواة عنهم طرق أصحها في نشرنا يحقق باثنين في اثنين وإلا أربع فهي زها ألف طريق تجمع وبذلك تكون طيبة النشر ، متضمنة الشاطبية والدرة المضية، فضلا عن الزيادات عليهما، وهما من وجوه القراءات العشر.


ومن الطبيعي أن يتدرج طالب علم القراءات بالدراسة للرواية التي يقرأ بها في مصحفه، ثم يقرنها بالراوي الثاني، فمن يقرأ برواية حفص عن عاصم، يتبعها بشعبة عن عاصم أيضا، ثم يبدأ رحلة الجمع بالقراءات عن الأئمة الآخرين، ويفضل أن يتبع في ذلك الرجوع إلى المتون، فإن بدأ بمتن الشاطبية سيبدأ بالإمام نافع، ثم ابن كثير، ثم أبو عمرو البصري، ثم ابن عامر، وقد قرأ بعاصم بداية، ثم حمزة، ثم الكسائي، وبذلك يكون قرأ بالقراءات السبع.

 

 

“فمن حفظ المتون حاز الفنون”، 

 قد يقول قائل إن نشأة المتون حديثة، وكان علماء القراءات يقرؤون قبلها دون معرفة المتون، فما الفائدة منها؟

نقول وبالله التوفيق القراءة دون حفظ المتون في العصر الحديث نجحت في معرفة قدر قليل من الروايات، إلا أنه يحدث تداخل واضطراب كلما زاد التعمق في الروايات بدون المتون، وقد يشذ شخص في ذلك، لكن التجربة العملية أثبتت أهمية المتون، “فمن حفظ المتون حاز الفنون”، وصار متمكنا، ولديه المرجع عند حدوث اللبس والاختلاط.


ثم يتبع ذلك بالدرة، فيستكمل دراسة ثلاثة هم: أبو جعفر(الثامن)، ويعقوب(التاسع)، وخلف (العاشر)، إضافة إلى السبعة السابقين، وبذلك يكون قرأ القراءات العشر الصغرى، ومع كل قارئ تحريراته؛ ولذلك يأتي بالشاهد من الشاطبية+ الدرة= العشرة الصغرى، ومثالا على ذلك، نقول من قرأ بمالك في الفاتحة، ومن قرأ بملك ثم ننتقل إلى الطيبة :الشاطبية: ومالك يوم الدين راويه نـاصر(ر= الكسائي، ن=عاصم)الدرة: ومالك حــــز فـــــز(ح = يعقوب، ف= خلف)الطيبة: مالك نـل ظـلا روى (ن= عاصم، ظ= يعقوب، روى= الكسائي وخلف). وعلى هذا فلا زيادة في متن الطيبة على الشاطبية ، والدرة..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى