منوعات

د. أيمن صابر سعيد يكتب: العاشر من رمضان يوم العزة والكرامة

تسعى كل أمة للحفاظ على تراثها ومجدها، وعزتها وكرامتها، وهذا لن يتحقق أبدا إلا بالحفاظ على الأرض، فأرضك عرضك، ولا يعير الإنسان إلا بعظيم الأمور إذا فقدها، ويأتي على رأسها تفريطه في أرضه، وتنبع عزته من حفاظه عليها، والتمسك بترابها، وعدم التفريط في قيد أنملة منها، ويبذل من اجل ذلك كل غال ونفيس، ولا يوجد أعز من روح الإنسان ودمه؛ وصدقا ما قيل: “الدم غال والتراب غال”، وهنا تهون على الإنسان نفسه وروحه من أجل أرضه وأهله.

وهنا تتجسد عظمة معجزة النصر، في شهر رمضان “وما النصر إلا من عند الله”، وتظل ملحمة العزة والكرامة واستعادة الأرض المسلوبة من المعتدي المغتصب رمزا للصمود والتحدي، رمزا لعبقرية المؤسسة العسكرية المصرية- حفظها الله، على كل الأصعدة؛ فكل أجهزتها تعمل في تناغم عجيب، ونظام علمي مثار إعجاب لكل جيوش العالم، ويظل الجندي المصري هو القوة الحقيقية التي لا تقهر؛ فهو من تغلب على كل الصعوبات، وكل المعوقات، وكل النظريات العسكرية الموجودة آنذاك، والتي كانت تعلن بكل وضوح، بهدف التدمير النفسي والمعنوي، أن الجيش المصري لن يحارب، وإذا حارب لن يصمد لبضع ساعات، فماذا سيفعل أمام الدول العظمى التي تدعم المغتصب بأحدث أنواع الأسلحة الحديثة والعتاد؟ ماذا سيفعل أمام خط بارليف الحصين؟

وإذا ما توقفنا عند خط بارليف (نسبة إلى اسم قائد عسكري) الذي أنشأه المغتصب، ويقال إن تكلفة إنشائه بلغت 500 مليون دولار، في ذلك الوقت، وهو عبارة عن سلسلة من التحصينات الدفاعية التي كانت تمتد على طول الساحل الشرقي لقناة السويس، بعد احتلال أرض سيناء بعد نكسة 1967، بهدف تأمين الضفة الغربية لقناة السويس، ومنع عبور أي قوات مصرية من التفكير في الاقتراب منهم؛ واعتبار عبوره أمرا مستحيلا نتيجة الإنشاءات التي أعدت؛ حيث ضم -كما قال الخبراء العسكريون- 26 موقعا دفاعيا ، ونقطة حصينة، وتم تحصين مبانيها بالأسمنت المسلح والكتل الخرسانية وقضبان السكك الحديدية للتصدي لكل الهجمات المحتملة، وكل نقطة تضم 26 دشمة للرشاشات، و 24 ملجأ للأفراد؛ فضلا عن مجموعة من الدشم الخاصة بالأسلحة المضادة للدبابات ومرابض للدبابات والهاونات، و15 نطاقا من الأسلاك الشائكة ومناطق الألغام، وكل نقطة حصينة عبارة ذات إنشاءات هندسية معقدة، تضم عدة طوابق، وتغوص في باطن الأرض، ومساحتها تبلغ 4000 متر مربع، ومزودة كل نقطة بعدد من الملاجئ والدشم التي تتحمل القصف الجوي وضرب المدفعية الثقيلة، وكل دشمة لها عدة فتحات لأسلحة المدفعية والدبابات، وتتصل الدشم ببعضها بعضا عن طريق خنادق عميقة، وكل نقطة مجهزة بما يمكنها من تحقيق الدفاع الدائري إذا ما سقط أي جزء من الأجزاء المجاورة، فضلا عن شبكة الاتصالات التليفونية العالية الجودة؛ حتى إنه ليقال أنهم يمكنهم الاتصال بأسرهم بسهولة ويسر؛ فقد جهزت لأبد الدهر. فهل سيتمكن الجيش المصري بعد تدمير أسلحته ومطاراته من التفكير في الحرب؟ وماذا سيفعل أمام هذه التحصينات التي قيل في ذلك الوقت إن القضاء على خط بارليف يحتاج إلى قنبلة ذرية؟

وقد كانت المؤسسة العسكرية -كما هو معروف عنها تاريخيا وعسكريا- على قدر المسئولية، وإن كان خط بارليف حصينا لا يقهر، فإن المقاتل المصري بإيمانه الراسخ وعقيدته التي لا تتزعزع وذكائه الذي شهد به العالم كله استطاع أن يثبت أنه لا يعرف المستحيل، وأنه قادر على تحويل المستحيل إلى ممكن، فقد أفقد العدو توازنه في خلال ست ساعات ، واقتحم المانع المائي، في قناة السويس، ودمر خط بارليف، ولا شك أن هذا كله تحقق بالتضحيات العظيمة، بعرقنا ودمائنا ومواردنا، بالصبر والفكر والعمل الدؤوب، بإيمان الشعب بقواته المسلحة، ووقوفه خلفها، داعما ومساندا ومتحملا كل الظروف، ومقاتلا في الجبهة الداخلية، بجانب من يقاتل في ساحة الشرف والعزة والكرامة على الجبهة، ولم تكن الحرب من أجل الحرب فقط، و إنما من أجل الدفاع عن النفس والعرض، وفرض السلام، فالسلام لا يتحقق في ظل الضعف والانكسار، وإنما يتحقق في ظل وجود قوة تفرضه وتحميه؛ ولذلك فلا عجب إن قيل إن الحرب كانت من أجل السلام والعدل، وإن هناك من الدول العربية من دعم مصر في حربها، ووقف إلى جوارها إيمانا بحقنا في استعادة أرضنا.

ولا ولن ينسى العالم كله دور كل رجال القوات المسلحة، الذين يستحق كل واحد منهم تقديم كل أشكال التقدير والاحترام، والاعتراف بالجميل له، فلولا ما قدموه من فكر وعمل وصبر، وما بذلوه من تضحيات ما كنا نحن على ما نحن عليه اليوم، فنحن مدينون لكل هؤلاء الأبطال، ويأتي على رأسهم قائد الحرب والسلام، الرئيس الراحل محمد أنور السادات؛ إذ يقول بعد تحقيق معجزة النصر: “إن قواتنا لم تعط الفرصة لتقاتل عام 1967، أن هذه القوات لم تعط الفرصة لتحارب دفاعا عن الوطن وعن شرفه وعن ترابه، لم يهزمها عدوها، ولكن أرهقتها الظروف التى لم تعطها الفرصة لتقاتل. إن القوات المسلحة المصرية قامت بمعجزة على أعلى مقياس عسكري، ولقد شاركت مع جمال عبد الناصر فى عملية إعادة بناء القوات المسلحة، ثم شاءت الأقدار أن أتحمل مسؤولية استكمال البناء ومسؤولية القيادة العليا لها، إن القوات المسلحة قامت بمعجزة على أعلى مقياس عسكرى استوعبت العصر كله تدريبا وسلاحا، بل وعلما واقتدارا حين أصدرت لها الأمر أن ترد على استفزاز العدو، وأن تكبح جماح غروره، فإنها أثبتت نفسها، إن هذه القوات أخذت فى يدها بعد صدور الأمر لها زمام المبادرة، وحققت مفاجأة العدو، وأفقدته توازنه بحركاتها السريعة، إن التاريخ العسكرى سوف يتوقف طويلاً أمام عملية يوم 6 أكتوبر 1973.”

وستظل معجزة النصر إرثا تتوارثه الأجيال، جيلا بعد جيل، متبعين لقول الحق: “إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم”. حفظ الله مصر وشعبها وقواتها المسلحة، وكل عام قواتنا المسلحة هي الدرع والسيف الذي يحمي ويبني حاضر الوطن ومستقبله.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى