فن وثقافة

د.. أيمن صابر سعيد يكتب: القرآن الكريم معجزة الله الخالدة

القرآن الكريم معجزة الله الخالدة

تميز القرآن الكريم كلام رب العالمين بمميزات فريدة تكشف عن إعجازه؛ فلا يشبهه أسلوب ما مهما علت درجته البلاغية؛ إذ إن تفرده جاء على كل المستويات، حتى في استعمال الحروف، فلا يمكن استبدال حرف بحرف، ولا معنى بمعنى آخر، ومن ثم فلا ينظر للقرآن الكريم على أنه مقسم لسور وأجزاء وأحزاب وأرباع وآيات متفرفة، بل هو وحدة كلية واحدة بداية من بسم الله الرحمن الرحيم وانتهاء بـ “من الجنة والناس”، وهذه النظرة الشمولية المتماسكة المترابطة شكلا وموضوعا، تكشف لنا عن أسرار كثيرة، وتفتح موضوعات لا حد لها من الإعراب والإبانة والبلاغة والفصاحة.
هذا التماسك القرآني من أول آية إلى آخر آية، دليل قاطع على هذه المعجزة الخالدة، التي يعجز البشر عن الإتيان بمثله، أو بسورة من مثله، أو بعشر آيات، ولذلك فقد كثرت الدراسات حوله، في الجامعات العربية والغربية، ولم يتمكن أحد الباحثين الراسخين في العلم، أن يقول إن دراسته كانت نهاية الدراسات في هذا الشأن، وإنه لن يتمكن أحد من بعده من الإضافة أو الاستنباط أو الكشف عن جماليات أسلوبه ولغته وموضوعاته، فالكل ينهل منه قدر توفيق الله له، وحسب الفتوحات الربانية التي لا تنتهي في أثناء الدراسة والبحث.
وما تجدر الإشارة إليه أنه على كل باحث في هذا الشأن، وهو بالطبع يجيد أدوات البحث المعروفة والمشهورة والمقروءة في كل الكتب، أن يضع أمامه أنه يدرس معجزة الله الخالدة المنزلة من عنده على النبي ـصلى الله عليه وسلم- للتعبد والتلاوة والتأمل والدراسة، فلا يقدم عليه علم من العلوم أو يدعي أن علما ما من صنع البشر هو الأصح، أو أنه يتعارض مع كلام الله، فيقدمه جهلا منه ونقصا في البحث والدراسة، أو استعجالا للوصول لنتائج وهمية لا اصل لها، ولا دليل على صحتها، ولا أريد أن أذهب إلى ما يذهب إليه آخرون من التكفير والزندقة والإلحاد، وحتى لا يقع أحد في هذا المأزق فعليه أن يضع في حسبانه أنه معجزة الله، وعليه البحث في إثبات ما جاء فيها لا نفيه ومعارضته، فعلى سبيل المثال، من يدرس النحو العربي، ماذا يفعل إذا ظهر له -ظنا منه وتوهما وجهلا- وجود تعارض بين قاعدة درسها وإعراب كلمة وردت في القرآن الكريم؟
إن القواعد البحثية العامة التي درسها الباحث لا تسمح له بإطلاق هذا الكلام غير العلمي سريعا، فلا يصح له التفوه بقول دون دليل، فما بالنا ونحن نتعامل مع كلام رب العالمين، هذه من القواعد المهمة التي يجب أن يضعها الباحث أمام ناظريه؛ فلا تغيب عنه؛ فتزل قدمه في أحد أسس البحث العلمي، وإذا استمر التعارض فيما يعلمه وما درسه مع القرآن الكريم، فعليه أن يسأل أهل الذكر في مجال سؤاله، ويظل يسأل ويناقش ويبحث، ويتهم نفسه بالتقصير وعدم الدراية، وهو بذلك يتبع الأدوات البحثية المتعارف عليها، عربيا وغربيا، منذ قديم الأزل، وما يحدث في كثير من الأحيان من محاولات من التجرؤ بالتفوه والحديث بوجود أخطاء ومعارضات مع الأبحاث العلمية الحديثة، هو قول ليس بجديد، وظهر عند بعض المستشرقين، وسار خلفهم -رغبة في الشهرة وتسليط الأضواء عليهم، وما أدراكم ما شهوة الشهرة- الجهلاء وناقصو أسس العلم والبحث والمعرفة.
ولنتذكر بعض ما جاء في شأن القرآن الكريم من كلام رب العالمين: “وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ”، و”قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا”، و”أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ(13) فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ”…إلخ.
ولنتأمل كلمة “قرآن” في آيات التنزيل: “وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا (106) قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا”، و”مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى (2) إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى (3) تَنْزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى”، “وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا (113) فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا”.
والأمر لا يحتاج إلى كثير من التدليل والبرهان على صدق ما ذهبنا إليه من أقوال في شأن البحث القرآني، وكيفية التعامل مع كلام رب العالمين، آن الأوان أن نحسن التعامل مع معجزة الله الخالدة، وننزلها منزلتها المباركة المقدسة، دون إطلاق كلمات غير محسوبة وغير مدروسة، فالكل محاسب على ما يقول، ومن يقترب من كلام الله فعليه أن يقترب منه متعلما وطالبا للعلم والكشف والفتح، فإنه كما ورد في وصف بلاغته
“والله، إن لقوله الذي يقوله لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإنه لمثمر أعلاه، مغدق أسفله، وإنه ليعلو ولا يعلى، وإنه ليحطم ما تحته”. فسبحان الله العظيم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى