فن وثقافة

د.أيمن صابر سعيد يكتب:علم اللغة الحديث ونظرية التحليل التكويني

علم اللغة الحديث ونظرية التحليل التكويني

تعد هذه النظرية من أحدث نظريات علم اللغة الحديث؛ إذ إنها تهتم بدراسة المعنى عن طريق تحليل الكلمات إلى مكونات وعناصر أساسية في المعنى، وهو ما أطلق عليه التحليل التكويني، الذي ظهر على أيدي Jerry Fodor, Jerrold Katz -كما ذهب الدكتور أحمد مختار عمر في كتاب علم الدلالة- في تحديد دلالات الكلمات في مقالهما المشهور The structure of a semantic Theory المنشور عام ١٩٦٣م؛ وتنبي نظريتهما في الأصل على ما يعرف بتشذير كل معنى من معاني الكلمة إلى سلسلة متصلة ومرتبة من عناصر أولية تسمح لها بأن تتقدم من العام إلى الخاص.

ومن ثم، فإنَّ تحليل المعنى النصي إلى عناصر تكوينية يبدأ بعد عملية الانتهاء من تحديد الحقول الدلالية، وتسكين الكلمات داخل كل حقل معين، وبيان علاقة كل منها بالأخرى، في ضوء استخلاص أهم الملامح التي تجمع كلمات الحقل من ناحية، وتميز بين أفراده من ناحية أخرى، ولذا يذهب بعض الباحثين أن هذه النظرية ما هي إلا امتداد لنظرية الحقول الدلالية، وإن تميزت ببعض الأمور التي تعطي قوة دلالية في دراسة الكلمات والحقول، سواء بصورة خاصة أو عامة.

ولتوضيح ذلك بمثال عملي، فقد طبقا فودر وكاثر نظريتهما على كلمة (أعزب bachelor) اعتمادا على المعاني المعجمية المتعددة للكلمة، فقاما بتشذير كل معنى من معاني الكلمة إلى سلسلة من العناصر الأولية في صورة رسم شجري توضيحي:

bachelor أعزب (حيوان، ذكر، حيوان بحري بدون أنثاه وقت الإخصاب).

أعزب (إنسان، ذكر، من يحمل الشهادة الجامعية الأولى/ فارس صغير يخدم تحت فارس أكبر)

وقد ميزا -في تحليلهما للمثال السابق- بين ثلاثة أنواع من العناصر أو المكونات:

1 – المحدد النحوي grammatical marker، وقد اعتبراه عنصرًا غير أساسي.

2- المحدد الدلالي semantic marker، وهو عنصر يمكن أن يوجد في أماكن أخرى من المعجم.

3-المميز distinguisher، وهو عنصر خاص بمعنى معين، ويقع دائما آخر السلسلة، ولا يوجد في أماكن أخرى من المعجم ، إلا إذا تكرر في حالة علاقة الترادف فقط.

وهو ما جعل الدكتور كريم زكي حسام الدين في كتابه التحليل الدلالي يرى أن “عملية التحليل التكويني لمعنى الكلمة تتم من خلال تعيين مجموعة من الكلمات ذات الخصائص المشتركة أو المتباينة، ويتم بعد ذلك تحديد الملامح الدلالية لمعنى كل كلمة من هذه الكلمات من خلال استقراء مجموعة من السياقات التي ترد فيها الكلمة، والتي يستطيع من خلالها تحديد العناصر التي تحملها هذه الكلمة، وبهذا يمكن أن نفرق بين مجموعة من الكلمات المترادفة أو ذات الملامح المشتركة”.

وقد أعد الباحثون في هذا الشأن تصورا عن الخطوات الإجرائية لتحديد العناصر التكوينية، على النحو التالي:

1 – استخلاص مجموعة من المعاني (بصورة مبدئية) تظهر الصلة القوية بينها، بحيث تشكل مجالاً دلاليا خاصا؛ نتيجة تقاسمها عناصر تكوينية مشتركة، ومثال ذلك كلمات أب- أم- ابن- بنت أخت- أخ- عم.. فكلها تتقاسم قابلية التطبيق على الكائن البشري، وتتعلق بالشخص الذي يتصل بآخر؛ إما عن طريق الدم أو المصاهرة.

2- تقرير الملامح التي تستخدم لتحديد المحتويات التي تستعمل للتمييز، وهي بالنسبة للكلمات السابقة ستكون ملامح الجنس، والجيل، والانحدار المباشر، وقرابة الدم أو المصاهرة.

٣ – تحديد المكونات التشخيصية لكل معنى على حدة حتى نستطيع أن نقول بأن (أب) مثلاً يتميز بصفات أو ملامح أو مكونات كذا وكذا.

4- وصف ترتيبي للملامح التشخيصية عن طريق وضع قائمة لهذه الملامح أو المعلومات في شكل جداول أو رسوم بيانية يوضح من خلالها ورود أو عدم ورود مثل هذه الملامح مثل تحليل كلمة bachelor.

وعلى الرغم من أن هذه النظرية وصفت بأنها أحسن تجربة لتحليل المعنى إلى مكونات صغرى، وأنها أول نظرية دلالية تفصيلية واضحة تستخدم في أمريكا لفترة طويلة، وأنها لعبت دورا مهما في تطوير السيمانتيك التركيبي، فإن هناك بعض المشكلات الأساسية التي ذكرها بعض اللغويين المتخصصين مثل الدكتور صبري السيد في تحليله للمكونات الدلالية في ديوان عنترة:

أولاً: افتقارنا إلى ما يسمى (ما وراء اللغة) بحيث يكون كافيا لوصف بعض الفروق في المجموعات الدلالية؛ إذ إنه من الصعب أن نتكلم عن الفروق في اللون بحيث يمكن وصف سلسلة متجاورة مثل: أرجواني- بنفسجي- برتقالي- أصفر- أحمر بالنظر إلى المكونات التشخيصية، ولكن حين يتعامل المرء مع الكلمات الدالة على الروائح، مثل smell – stench

malodor –stink؛ فإنه يحس أكثر بافتقاره إلى ما يساعده على تعيين الملامح المميزة لوصف بعض الفروق في الكلمات الدالة على شيء واحد.

ثانيا: صعوبة إيجاد المعنى التي تؤلف مجموعة متجاورة، وعلاقات الاشتمال والتتام -مثلاً- تعين على تمييز المكونات الدلالية المتجاورة، وعلى ذلك فلا بد أن نبحث عن مجموعة أخرى من الفروق لتوفر الأساس للتحليل التكويني.

ثالثا: صعوبة تقرير المكونات الدلالية، بمعنى أن بعض الكلمات تختلف في المقام الأول -في الدرجة أو الكثافة فحسب، فلا يكون هناك الملمح الكامل الذي يميز الفرق بين هذه الكلمات، ولكن يوجد فقط- اختلاف نسبي، مثال: الاختلاف بين كلمتي mammoth ضخم، وكلمة big؛ حيث إنهما يختلفان عن طريق فرق نسبي في الحجم؛ وفقا للأشياء المراد وصفها.

رابعا: اختلاف وجهات النظر عند معالجة المكونات الدلالية خاصة في المجالات الخاصة بالمكان أو الزمان.

ولكي نتجاوز بعض هذه الملاحظات السابقة على هذه النظرية، علينا قبل أن نبدأ في تصنيف مجموعات المعاني المتجاورة، أن نعد تحليلات شاملة وواسعة للتفريعات الدلالية بطريقة نهائية وواضحة للوصول إلى أن المعاني المختلفة رغم كثرتها وتفريعاتها فإنها تكون في النهاية مشتركة بالفعل، وهذه النظرية تحتاج إلى جهد جماعي كبير للبناء عليه في الدراسات الدلالية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى