اخبار عالمية

خطف السفينة مادلين: الحرب اللانهائية من الدولة المارقة ستكتب نهايتها

كتب: مصطفى نصار  
خطفت السفينة مادلين من البحر قبالة مدينة بورسعيد المصرية فجر اليوم الاثنين ٩ يونيو ، بعد تطويقها من خمس قوارب صغيرة مع اقتيادها القسري لميناء أسدود مع اعتقال الناشطين على متنها لسجن جعفون سيء السمعة في زنزانة انفرادية مخصصة لكل ناشط فيهم على حدة بصورة مذلة و مهنية توضح لأي مدى وصل العالم من انحطاط و انحدار أخلاقي و سياسي ، بكون أوليئك الناشطين لا يسلمون أسلحة فتاكة ، و لا يحملون فير مؤن من غذاء و دواء و حفاظات لكن تاريخ الكيان اللقيط يدل على عقد و نصف من عمليات الاستلاء على السفن بمنتهى الوقاحة ، و السخرية من كافة الدول .
 
لتأتي تلك الحادثة ضمن سلسلة طويلة و ممتدة من سيطرة معتمدة و مقصودة للسفن الأمريكية من أسطول الحرية ، ليتنوع طرق الاحتلال الإسرائيلي المعهودة إما بالاستيلاء المباشر عليها ، و تعذيب أفراد طاقمها ، و كذلك القصف من المسيرات الجوية على محركات السفينة لتعطيلها عن فكرة كسر الحصار الواضح ، لامتلاء التاريخ المعاصر الممتد من لعملية الحرب٢٠١٠ بمعدل خطف أو إعدام  ١٠ سفن في عرض البحر سفنيتين منهم من ميناء العريش المصري .
 
تاريخيُا ، قامت إسرائيل بحملة وحشية عبر إرسال عدة جنود لإثارة الشغب في قطاع غزة ، و محاولة اغتيال بعض القيادات الأمنية و السياسية الهامة ، و التي انتهت بتشديد الحصار و حدوث اشتباكات قوية ضارية ، فأرسلت سفينة الضمير الخاص بالإغاثة الإنسانية،  و المساعدة التي تسد الرمق ، وسط تنديدات عديدة و إجراءات قوية من مصر بتعليق معاهدة السلام و احتمالية اشتعال الإقليم بقصف السفينة ، فاستجاب الاحتلال الإسرائيلي للضغوط المتزايدة ، و أطلقت سراح الطاقم كاملًا مع الترحيل الفوري لبلدهم ، و فتح الشوارع و الميادين للجامعات الأساسية فهزت الشوارع بقوة نادرة لا تقارن بالأيام الحاضرة .
 
فتكرر تلك الإجراءات القمعية دليل قوي على إصرار محو و قتل ممنهج،  و منع مختلف سبل النجاة أو حتى البقاء غلى قيد الحياة ، و بهذه الأغراض الإجرامية منعت إسرائيل السفينة في حرب ٢٠١٧ ، و ٢٠١٩ ، و ٢٠٢١ ، بقصف السفن بمسيراتها إف ١٦ ، و ١٨ ، ٣٢ ، أي أنها استخدمت التفوق العسكري للتعدي على سفن تحمل مساعدات إغاثية و كذلك في اعتبارها تهديدًا وشيكًا لمسار الحرب العسكرية التي استمرت لفترة لم تتعدى فترة ال٦ شهور لكن اختلفت ردود الأفعال التي لم تتخطى عتبة الآدانات الباهتة ، و الشجب الباهت الكئيب الذي لا يغنى أو يثمن .
 
لكن خطف السفينة بطاقمها كاملًا لم يحدث في تاريخ الكيان اللقيط، مسبقًا بالعديد من التهديدات و الإنذارات غير المسبوقة و التي بلغت حتى استخدام الأطفال في الدعاية المضادة ضد السفينة ، ممهدًا الطريق في ذلك لاستخراج المتقابلات المتراصة أمام بعضها البعض ، و الأهم من هذا كله استخراج شكل العالم المشكل ما بعد الطوفان الذي يجعل كيانًا وظيفيًا يعربد من دون ضابط أو رادع بشكل جامح و كبير ،  مع السؤال الحاد القوي بجوهر العدالة كقيمة في العالم الحديث ، و خاصة في العالم العربي الحديث منذ لحظة الاستقلال المزعومة حتى لحظة الاختطاف ، فضلًا عن إلقائهم في سجن جعفون .
 
العدالة الانتقائية :حينما تتحول الضحية المستعمرة لجاني إرهابي
 
تاريخيًا ، تتأصل الأفكار و القيم الأساسية لأوربا و أمريكا على التجارب الفاشلة و الإخفاقات المتتالية ، بمعنى أدق تتحطم الأفكار القيمية على صخرة الواقع التي طالما كانت أقوى دليل على قصور و عدم اكتمال أفكار عديدة مخالفة إياها من رواسب انتقائية ، و “أخلاقيات “منحازة مسببة كوارث عالمية، و حروب عدمية النزعة عقيمة التوجه لم تفيد البشرية ، بل دمرتها أشد تدميرًا من قتلى و جرحى و تهميش و استعمار وحشي كلف العالم أعمارًا و أجيالًا حتى لمست فكرة العدالة ، منحدرة بها لتتحول للعدالة الانتقائية .
 
و بتلك الحقيقة البسيطة ، تحولت الدول و الشعوب لثلاثة أصناف ، كما يصنفها الكاتب الفرنسي ألفريد سيوفي لثلاث عوالم ، عالم أول و هي الدول المتقدمة و المستعمرة لبقية الدول الخاص بالعالمين الثاني و الثالث ، و أما العالم الثاني فهو وفقًا باراج خانا في كتابه العالم الثاني السلطة و الاقتصاد في النظام العالمي الجديد هي مجموعة من الدول غير الراغبة في الانضمام لأي تحالف دولي ، و لا تقوم بالدفاع عن مصالح دول بعينها ، و من أشهر تلك التحالفات ما عرف بمجموعة دول عدم الانحياز ، و هي مجموعة تكتلية من الدول هدفها التعاون المشترك .
 
أما بالنسبة لدول العالم الثالث فهي عبارة عن منجم الثروات الغنية و الباهظة اقتصاديًا  و بشريًا ، و كذلك على مستويات أخرى تمس السيادة الوطنية ، و عدم ترك الطريق الممهد للتنفس أو تحقيق الرفاهية ، غير تمويل الانقلابات الغاشمة عسكريًا في دول عدة بمختلف القارات على رأسها أمريكا الجنوبية و أفريقيا ، مثلما أكد المؤرخ والتر رودني في كتاب أوربا و التخلف في أفريقيا أن تقدم و رفاهية أوربا بالدرجة الأولى على الإفقار الممنهج ، و هنا احتاج الغرب لصياغة قيمة العدالة الانتقائية لترسم خططها الخبيثة كما يحلو لها ، و لعل هذا ما أسماه عالم الاجتماع و المؤرخ الفرنسي سيرج لاروش بتغريب العالم.
 
و إكمالًا على مفهوم العدالة الأوربية و الأمريكية، فطالت تلك الانتقائية القانون الدولي و الإقليمي بكافة أنواعه و أشكاله الإجرائية و التطبيقية ، فكون له منطقه الاستعماري الخاص ، فخرج أسوء نموذج له للتاريخ في شكل والفصل العنصري لإن ببساطة وفقًا لمقال سارة تروجان و مريم أبو سارة في مقالها المنطوي على حقيقة قاسية مفادها أن القانون الدولي لا يسري إلا للأقوى أو ذوي المصالح الحيوية و المحققة للنظام الدولي،  و لعل هذا ما جعل أوربا كلها تنقلب على عقبيها بسبب سريان المحاكمة الجنائية الدولية في إجراءات محاكمة وزيري الاحتلال بن غفير و سموتريتش.
 
 
و بهذه الرؤية ، تعد العدالة انتصارًا للأقوى و سحقًا لكافة صنوف المستضعفين ، و المساكين و المظلومين ، و لهذا ضمن كذلك القانون الاستعماري نفسه حق المقاومة ضد الاحتلال بمختلف أشكاله فضلًا عن المقاومة المسلحة الواضعة لنهايتها ، و لذا خطف السفينة مادلين يحدد شكل السياسة الدولية و القانونية كذلك، و خاصة أن السفينة مسالمة لا تحمل أسلحة أو ذخائر لأسلحة خفيفة حتى ، فهكذا تتعامل السلطويات الحديثة مع أي شيء أو شخص ما يهدد مصالح ضيقة أو أهداف محدودة ، لتتحول لعقيدة سياسية للعالم ما يثير التساؤل الملح حول شكل العالم المحكوم إسرائيليًا بطريقة فاضحة لدرجة زكام الأنوف .
 
النظام الإسرائيلي الجديد : صمت عالمي ممزوج بخذلان مفضوح
 
 تخطيت السفينة مادلين مجرد كونها سفينة لفك الحصار الأشد قسوة ووحشية لمدة عامين لرمز واضح و صريح تفضح النظام العالمي الإسرائيلي الجديد القائم على تفصيل العالم للسير على حسابه ، فالنظام الجديد يكمن في ٣ أعمدة أساسية صمت المقابر المخزي و التخاذل الفاضح و الحرية المطلقة في استمرار الحرب الأبدية على قطاع غزة منذ ٧ أكتوبر ٢٠٢٣م
 
 
في مقال للباحثة سمية الغنوشي،  تؤكد فيه بما لا يدع مجالًا للشك أن خطف السفينة يعبر عن رؤية دولية من مزيج منحط من الصمت و التخاذل العالمي محاطًا بهالة زكمت الأنوف من العنجيهة غير المسبوقة  و الضخمة التي لا تدل إلا على كل معنى بذي ووقح ، إلا إنقاذ المنكل بهم أو المجوعيين أو مجهولي الهوية من الشهداء أو المجاعة الأكثر وحشية و قسوة ، و كذلك هندسة للجوع تنم على لسان وزير الدفاع الصهيوني يسرائيل كاتس أنها خطر “داهم و محدق “، بعلم كامل أنها لا تحمل إلا الأطعمة و الدواء و الوقود ، بشكل يذكي الحرب الأبدية على قطاع غزة مؤديًا لتصعيدات مهددة و توترات مزلزلة للإقليم المأزوم ذاته ، فمادلين بهذا السياق و المعنى صرخة صادقة تكتب بصدق عن عالم حقير ، و منعدم المبادئ القيمية ، و لكن اللقطة الإعلامية هي التي تهم الكيان اللقيط.
 
 
و لهذا ، تتصل كلمات المفكر الفرنسي و المناضل الجزائري فرانز فانون في كتابه معذبو الأرض و أقنعة بيضاء عن أن أصحاب الضمائر الحية “لا يعملون”غير ما يرى أنه حقيقي و مخالف لنهج الجميع من الظلمة و الفجرة بمنتهى القوة المردودة لإن هذه القوة رد طبيعي و “مقبول “على الحرب الاستعمارية على أي شعب يتعرض للاضطهاد المطلق ، و المعاملة كدرجة ثانية ، و طالما أن المعذب موصوم في كل حالاته ، فالمقاومة المسلحة أو بأي شكل في فضح أو كشف الفجر العظيم و نسف المظلومية المستحقة للمستعمر أو الإمبريالي بشكل كامل و شامل .
 
إكمالًا على ما ينظر له فانون ، فإنه يطالب بالإنسان الجديد الذي لا يخفيه شيء ، و يقف بالمتاح في وجه المستعمر ، بكل وسيلة متاحة ، و هنا تتضح الصلة الوثيقة بالحرب الجارية ، و السفينة مادلين ما هي إلا تطبيق عملي مخفف لكلام فانون الخاص بالممانعة و المواجهة المباشرة للحرب بمثلها ، أملًا فقط في خلق ضغط موازي من شأنه فك الحصار الغاشم و المحكم ، لكن رغم خطفها و فشل هدفها النبيل و الحي أخلاقيًا ، فإنها نجحت نجاحًا باهرًا في كسر حالة العار المذل التي خيمت على العالم أجمع ، لاستمرار حرب مكلفة على الجميع حتى الكيان نفسه

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى