انقلاب تام في الموازيين و زلزال متعدد الدلالات : ماذا بعد فوز ترامب ؟
ترامب الجذاب :عن النرجسية الكايزيماية التي سحرت الملايين بأسلوب الشعبوية

كتب: مصطفى نصار
فاز دونالد ترامب بولاية أمريكية جديدة تمتد ٤ أعوام من ٢٠٢٤ ل٢٠٢٨ ، متخطيًا كامالا هاريس بفرق طفيف تمثل في أصوات العرب و المسلمين و المحافظين البيض في الولايات المتأرجحة مثل بنسفليانيا و كالفورنيا ، ممثلًا للجميع صدمة مدوية تتخطى جميع التوقعات و التكنهات التي كانت على مخيلة جميع المحللين ، ما عدا المحافظين و المحافظين الجدد الذين ودوا لو فاز ترامب نظرًا للحفاظ على مصالح عدة مثل الهجرة و الحرب في غزة و الأسرة التي في محيط الهجوم و التفكك نتيجة أجندات التحول و ملف الجندر .
قبل التركيز و التغول في التفاصيل الدقيقة لأسباب فوز ترامب و تبعاتها على الحرب على غزة و أوضاع منطقتنا العربية البائسة ، فلابد التركيز على شخصيته الغريبة و الفظة التي تمكنت من خطف الأمريكان لحضنه الفسيح ، و عقليته الذرائعية المكستحة لجمود اللبيرالين و تجحرهم المغرور ، و كأنهم امتلكوا العالم بكل حذافيره و تفاصيله ، معلنة بذلك حدادًا طويل الأمد على الأفكار التقدمية ، فضلًا عن عدم إجراءات تغيرات شفافة وواضحة في مياه السياسة الأمريكة عقب حرب العراق و حتى الربيع العربي .
فتتميز شخصية ترامب بالأصالة و الكايزما الخاطفة و عشق الأضواء الذي جعله من أكثر الشخصيات إثارة للجدل و الإنقسام حول الأمريكان ، و هو ما لوحظ للغاية عند انتقاله المتتابع ل٦ مرات ما بين الحزبين الديمقراطي و الجمهوري ، وصولًا لتهديده الفعلي بتكوين حزب جديد باسم الحزب الشعبي وفق لما ذكر بوب وردوورد في كتابه الخوف ، مرتعدًا من تلك العقلية الاندفاعية ، و الهوجاء الانتقامية التي تري بفوقية و نرجسية شديدة أنها على حق دائم ، و أن دون ذلك على خطأ ، مما يجعل عقله سطحيًا لا يفهم إلا الصفقات الرابحة الشخصية المحضة التي جعلت مدانًا جنائيًا في أكثر من قضية لم يتم البت فيهم حتى اللحظة مثل قضيته مع الممثلة الإباحية و قضيته الرشوة و تزوير أوراق ملكية و تجارية .
و طموح شخصية ترامب ملاحظ من عدة جوانب أهمها المالية و السياسية حيث أنه ملك نادي مارلارغو الفاره الذي يعزم فيه المشاهير و أصحاب المال و الأعمال ، و لعل هذا ما رسخ في عقل ترامب أهيمة شراء كل شيء بالمال ، و نتيجة لهذه السمة المدمرة ذاتيًا نمى بذاته صفتي النرجسية و التآمر الدائم في داخل عقل و ذاته ، مشخصًا من بعض الأخصائين النفسين بالخلل الحاد العقلي مما يصعب طريقة التعامل معه بسوية و منطقية ، و تغلب عليها التنميط في أغلب تفاصيل حياته اليومية و المهنية .
و ثمة صفات كثيرة وظفت من ترامب في حملته الانتخابية مثل المؤامرة و الوعد من الانتقام من الدولة العميقة في أمريكا ، دون أن يتعمق في ماهيتها . فتلك الدولة التي تحيك المؤامرات لا تتعدى كونها دولة من البنوك التي تدين الأفراد ، و تجعلهم في مأزق ، و تجدب حياتهم بالضرائب الباهظة ، فدولة ترامب العميقة لا تتعدى عقليته المالية المادية القائمة على الصفقات و الأعمال الربحية الغارقة في الترف و البذخ ، ممثلًا خطابًا شعوبيًا بجد في الأمريكان ضالة سبيلهم بعد وعود فارغة و إصرار تسلطي على تطبيق أجندات التحول الجنسي و تعليم للشذوذ في المدارس .
فوز ترامب… أمريكا و إسرائيل أولا ، و زيادة وتيرة السوء و التردي للعالم .
من تجربة رئاسة ترامب السابقة ، فنستشف أنه من الواضح اهتمامه البالغ بالولايات المتحدة داخليًا من كافة الجوانب المختلفة السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية و العرقية بطريقة فجة و متهورة في بعض الأحيان قد تهدد باستقرار و أمن الولايات نفسها و مستقبلها الغامض حتى شوهدت توابع السياسة الترامبية الكارثية على لسان بوب وودورود في ثلاثية سماها “ثلاثية ترامب “، متبعًا منهجية صلبة في نقده ليس من باب التحسن فحسب ، بل تخطى الأمر مرحلة الرصد الدقيق للأخطاء ، مع رفض ترامب لتلك الكتب معترها أخبار مكذوبة و لا وزن لها كعادته ، مع فشله الذريع في التعامل مع أزمة كورونا و الحروب الخارجية .
أما فيما يتعلق بالحرب و الأزمات الخارجية في عهده فيكيفك معرفة رأي المراسل الدولي باتريك كليباتريك
في كتابه الحرب في زمن ترامب ، الذي ينسف فيه أساطير ترامب السياسية و يصفها بالعجراء المعضلة للولايات المتحددة ، بدء من قتله لقاسم سليماني ، مرورًا بنسف أكبر تقدم أحرزه أوباما مع إيران ،أي الاتفاق النووي ، و نهاية بإظهار العداء و العنصرية تجاه الأكراد و المكسيكيين الذين بنى سورًا حدوديًا معهم .
و قد شهدت الحملة الأخيرة له دعمًا قويًا و مساندة فارقة من العرب و المسلمين الذين أعطوه الرئاسة على طبق من ذهب دون أن يعطوا لكل الاحتمالات الواردة وزنًا و خاصة فيما يتعلق بوعوده الكاذبة و الغامضة بشأن الحرب على غزة و زيادة العرب و المسلمين في المناصب الرسمية و الإدارية ، فالتركيز الأكبر لقرابة ستة مليون مسلم و عرب انصب على محورين أساسين ، أولهما المحور الذرائعي الشخصي بجني المكاسب و الأرباح المعنوية و القيمية ، و المحور الانتقامي من إدارة بايدن و مرشحته كاملا هاريس لدعمهما الإبادة الجماعية و عده تنفيذ الوعود الداخلية المتعقلة بالتوظيف ، و تحقيق المساواة و العدل ، و تقييد السلطوية في العالم العربي و الإسلامي .
و بالنظر لعلاقته السالفة في فترته الرئاسية الأولى، فمن الملاحظ علاقته بالمستبدين العرب الجيدة للغاية ، بل و تحفيزهم على فعل المزيد من ممارستهم القمعية و التسلطية بدءا من الاختفاء القسري ، مرورا بالقتل خارج إطار القانون ، و منتهيًا بصداقته لهم و إخراجهم من ورطات كبرى مثل ورطة تورط محمد بن سلمان في قتل الصحفي جمال خاشقجي، منتهزًا الفرصة لابتزاز السعودية و توريطها بصفقات أسلحة و غواصات تجاوزت ٤٠٠ مليار دولار في يونيو ٢٠١٨ ، بالإضافة للتعبيرات و العبارات البذيئة الثابتة على لسانه مثل قوله على محمد بن سلمان “أنه حمى مؤخرته”.
و يعد ترامب كذلك فاتح الباب على مصرعيه للتطبيع الذي مهد لحالة الركود و الدفن المعتمد للقضية الفلسطينية عن طريق عقد معاهدات أبراهام في سبتمبر ٢٠٢٠ مع الإمارات و البحرين ، و هندسة صفقة القرن المشبوهة الذي وصفها محللون بأنها حرب على القضية الفلسطينية، و تتضمن باختصار تصفية سريعة و موجزة للقضية عن طريق نقل فلسطيني غزة للنقب و الضفة جميعها لجيتوهات تحت إشراف مباشر و عام من إسرائيل.
إكمالًا على ما سبق ، يعد منح و إمداد ترامب لإسرائيل الأكبر و الأعنف على القضية ، فأمدها بحوالي ٦٠٠ طائرة دورن سنويًا و ٧٥٥ طائرة f35 ، و زيادة التعاونين الأمني و الاستخباراتي معها . و اعترف بفجاجة ووضوح بالقدس عاصمة أبدية للكيان الدموي و نقل السفارة إليها ، مما يجعل احتمالية إنهاء الحرب الحالية بين خيارات صعبة و معقدة إما باشتراطات مذلة للمقاومة أو إكمال الدعم اللانهائي لها لتصفية المقاومة و إنهاء غزة .
و هكذا يعد ترامب و هاريس وجهين لعملة واحدة ، مع اختلاف طريقة القتل أو الدعم له ، و الغزو و إكمال الديكتاتورية العربية لأطول فترة ممكنة لإنها إحدى أهم أسباب بقاء الكيان الدموي اللقيط على قيد الحياة بدعمه و إسنادها المباشر و المفضوح لها ، لذا فلا جديد يذكر و إنما مجرد استمرارنا في السقوط للقاع .