الله و الوطن و ردع التحول الجنسي :فوز دونالد ترامب بالرئاسة يؤكد إيمانية الولايات المتحدة
الإيمان لا يزال عميقًا :أمريكا المسيحية المتصهينة تعود من جديد

كتب: مصطفى نصار
في كتابه المثير للجدل “المسيحية الصهيونية في أمريكا، المسيح المخلص و نهاية العالم “، يتطرق الصحفي و الباحث السياسي المصري رضا هلال لملف المسيحية الصهيونية المتغلغل في التاريخ الأمريكي منذ نشأتها قبيل ٤ قرون ، معلنًا صدمته و دهشته الكبرى من وجود تلك الأفكار في دولة “واحة الديمقراطية ، مؤكدًا نهايتها القريبة عند تصدر و سيطرة تلك الأفكار لفترة طويلة من الزمن ، و هو ما تمثل بالفعل في فوز ترامب بولاية ثانية غير متتالية لعدة أسباب أهمها الإيمان المسيحي الصهيوني و المحافظ الذي يعتبر سمة أساسية في الولايات المتحدة.
فعلى نقيض الدول الأوربية الحداثية ، فتجسيد الشعائر الإيمانية و العقائدية في الولايات المتحدة متواجد بشكل شبه كامل في جوانب الحياة اليومية عامة و السياسية ، و على رأسها اللوبي الصهيوني و القسم على الإنجيل عند تولية كل رئيس جديد ، أو كما قال توين مورين الولايات المتحدة مسيحة صلبية بامتياز . و أما بالنسبة لقاعدة الشباب الأمريكان ، فهي علمانية محافظة تتسمح فقط بالشعارات الخاصة بالحرية الشخصية و حق الآخر لكن تطبيقيًا يعزل الآخر عند مبالغة و توحش ممارساته و سياساته بطريقة غير محتملة ، أو مؤثرة على الاستقرار العام و الكلي للمجتمع، مع تكرار غريب في تلك الحالة على مدار تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية بأكثر من عشر مرات ، على رأسها فترة بوش الأب و الابن حيث أجبر المجتمع الأمريكي و هندس بفعل وسائل الإعلام لهجوم الإسلام و المسلمين ، و تشجيع حملات الكراهية ضدهم بذريعة حماية المجتمع من الإرهاب “الإسلامي”، مكونًا بذلك تهديدًا مدرك بعين الرائي يكسره الواقع أو تحوله جذريًا . و في الوضع الأمريكي فعل كلاهما باتقان تام و تصميم شعبي سباق .
تخطت التحولات الجذرية مرحلة التعلق بالقديم و التقليدي لدرجة إعادة التوجه له بسبب فشل الحديث و المعاصر ، أو كما قال فرانسيس فوكوياما في حواره الثري في مجلة فورين أفيرز اللبيرالية الجديدة أخفقت بسبب ممارستها و إجراءاتها المتطرفة و المستبدة بانتشارها المتوحش و الكلي و التعنت في فرضها في كتب المناهج الدراسية الابتدائية لدرجة الإغراق ، فأدى ذلك لموجة غضب عكسية ضدهم ، سواء من المحافظين أو حتى الملاحدة و العوام الذين يرون أن فرضها على الأطفال خطر نفسي محدق . علاوة على ذلك، فإن يضع المجتمع الأمريكي نحو الانقياد المتسارع للهاوية التي لا يعرف فيها الجنسين من طغيان الأيدولوجيا اللبيرالية و الذي وثقه المخرج الأمريكي مات واليش في وثائقي ما هي المرأة ؟ مظهرًا مقارنة بين عقل اللبيرالية الجديدة المشوش و فكر البدائيين ، أو كما قال ديفيد هارفي “تخريب اللبيرالية للتقليد “هدفه السيطرة الكاملة و النهائية .
و تعانق الإيمان الصهيو مسيحي بالنبوءات المقدسة خاصة مكون خاص و عميق للغاية نقل من أوربا للولايات المتحددة منذ تأسيسها مبنية على الخرافات التوراتية و التلمودية ، و الذي وصفه الدكتور محمد السماك بالثبات التاريخي و الاستقرار مع التنفيذ السياسي، الذي شمل انجلترا قبيل الولايات بوعد بلفور المشئوم ، و تنفيذ رؤى ثيوردو هرتزل ، عبر هربرت صموئيل الذي يعد عراب فكرة الاستطيان اليهودي و تسهيل عمليات الهجرة الجماعية.
و كذلك ، تعبر سياسات ترامب عن امتداد خليطي بين المسيحية الصهيونية و المؤامرة و البراجماتية الربحية و العزلة على الذات .
أمة ضائعة أم ملونة؟!جدل الأصل الأمريكي يبد فيه بفوز ترامب .
هناك إشكالية قديمة بين الجمهورين ، و الديمقراطين ممتدة عبر عصور التاريخ الأمريكي حول أصل الإنسان الأمريكي نفسه في العالم الجديد . فعلى إثر ذلك ، نشب انقسام حاد بين البيض و ملوني البشرة و اللبيرالين عما يدل عليه الأمريكي الأصيل “بن هذه الأرض “، مغطية جميع الجوانب السياسية و الاجتماعية و الدبلوماسية ، لتنتهي بالحرب الأهلية الأولى و الأخيرة بين ولايات الشمال و الجنوب بين عامين ١٨٦١ ، ١٨٦٥ لتقرير مصير العبيد مخالفة مليوني قتيل و نص مليون جريح .
لم تخلف تلك الأزمة فقط حربًا أهلية بقدر ما كانت عقبة دائمة في التاريخ الاجتماعي و الاجتماعي السياسي متبلورة في القرنين السابع عشر و الثامن عشر ، حتى قال عنها المنظر الفرنسي الشهير ألكسيس دو توكفيل عام ١٥٨١ أنها دولة مشتتة و منقسمة على نفسها في أدق التفاصيل بمنتهى الوضوح و الشفافية ، هادمة بذلك قيمها المزعومة ، و ترسخ ذنوب و جرائم كثيرة و فادحة الخطورة بحق الأمريكان جميعهم ، لذلك ينظر لهذا النوع من الجدل بغض النظر عن عنصريته الفجة ، و انحطاطه الواضح ، إلا أنه أيضًا يتأرجح بين الإفلاس و التخبط المستمر ، بإغفاله أصل من مبادئه الديمقراطية ممثلُا في قبول الآخر و التنوع .
إن إغفال هذا الأصل جعل بعض المنظرين في القانون و الفلسفة السياسة يبنون أصول اللبيرالية الجديدة لمعالجة هذا الأصل المغفل عنه في الهوية الأمريكية التي بنيت على عدة أصول دينية في الأصل كما أشار جون رولز في كتابه نظرية حول العدالة ، بصكه لمبدأي التعدد و الاختلاف ، معلنًا بذلك أن هذا الجدل الممتد قد كتب نهايته بالنظرية “المنصفة”كما يحب أن يسميها . و بطرح رولز ، يسأله بدوره الأستاذ الفخري في السياسة و العلاقات الدولية الشهير جوزيف ناي عمن كتب نهاية الأمريكي ؟! .
و برغم غرابة سؤال ناي في هذا الصدد، تكمن منطقيته في توزيع النقد بتساوي و إنصاف على مختلف القطاعات معلنًا أن كل الطوائف تتحمل وزر المشاكل المركبة و المعقدة داخل البينة السياسية ، و يضيف الدكتور الطيب بوعزة تعليقًا ها هنا يتصل مباشرة بما يعلق عليه ناي ، مؤكدًا أن المركزية الأمريكية في الأصل مركزية قوة و عرق ، و ليست تنتمى لمركزية اللبيرالية إلا في شكلها النقدي المالي . مما يشابه قول عالم الاجتماع الشهير ماكس فيبر حول الروح الرأسمالية الأمريكية التي تبرر دينيًا عبر تفسيرات الكتاب المقدس الفردية ، مما يقدح في شرعية النص ، و ينقلها مباشرة للمال بصفته سلاحًا أو أداة تدمير و ضغط دولي .
تضفي شرعية فوز ترامب ظهور الدين في أبرز صوره النموذجية عبر العديد من العلامات أبرزها دعم اللوبيات الصهيونية ، و الشخصيات العامة ذات الطابع الإعلامي مثل مريم أندرسون و تزواج أصحاب رؤوس الأموال معاه مثل إيلون ماسك و ريمون ماسيوفيكي مما يحقق أطروحة مارسيل مورشيه في كتابه الدين في الديمقراطية بتبلور رواسب الدين عند الأزمات أو تراكمها ، أو عند تلاقي الخارجي مع الداخلي .