منوعات

الخيرزان مع الجارية

جريدة مصر الساعة

بقلم / محمـــد الدكـــروري

اليوم : السبت الموافق 31 أغسطس 2024

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، واهتدى بهداه إلى يوم الدين، أما بعد من عجائب القصص في هذا وطرائفها هو قصة جرت في منزل الخيزران، والخيزران هي زوجة الخليفة العباسي المهدي، وأم الخليفتين الهادي وهارون الرشيد، وقد روتها زينب بنت سليمان بن علي بن عبدالله بن عباس وهي زوجة المهدي الأولى فقالت، كنت جالسة عند الخيزران، فدخلت علينا جارية فقالت إن بالباب امرأة لها جمال وخلقة حسنة وعليها من مظاهر البؤس ما يحزن لها القلب، وهي تستأذن عليك، وقد سألتها عن إسمها فأبت أن تخبرني به، فقالت الخيزران أدخليها، فدخلت امرأة كأجمل ما ترى العين من النساء، فقعدت إلى جنب عضادة الباب متضائلة ثم قالت أنا مارية بنت مروان بن محمد الأموي آخر خلفاء بني أمية.

قالت زينب بنت سليمان فاستويت جالسة وقلت لها قبل أن تجيبها الخيزران لا حياك الله ولا قرّبك، والحمد لله الذي أزال نعمتك وهتك سترك وأذلك، أتذكرين يا عدوّة الله حين أتاك عجائز أهل بيتي يسألنك أن تكلمي صاحبك في الإذن بدفن إبراهيم بن محمد، فأسمعتهن أسوأ الكلام، وأخرجتهن ذليلات حقيرات، قالت فضحكت مارية بأحسن ثغر برغم بؤسها وقالت أي ابنة عمي، أي شيء أعجبك من صنيع الله بي على فعلتي تلك السيئة، وعلى قسوتي وعقوقي، فوالله لو لم يكن من عقاب الله تعالي لي إلا ما ترين من حالي لكفى، فهل تريدين الإقتداء بي حتى يصيبك ما أصابني، ثم قامت تهمّ بالخروج، هنا غضبت الخيزران وقالت ليس هذا لك يا زينب، فهذه المرأة قصدتني في داري، وطلبت عوني وجواري، ونادت مارية طالبة منها الجلوس معتذرة إليها.

فرجعت مارية بنت مروان قائلة والله يا أخيّة ما جاء بي إلا الضيق والجهد الذي لا يخفى عليك من حالي، فقامت إليها الخيزران فعانقتها، وأمرت جواريها أن يقمن برعايتها والعناية بها، ومنحتها من الملابس والطيب ما يليق بمثلها، ثم أجلستها بجوارها وأمرت لها بالطعام، وطلبت منها أن تقيم معها في بيتها، وأن تعد نفسها في مقام أختها، فإستبشرت مارية ودعت للخيزران بخير، ووافقت على البقاء معها لأنها قد فقدت القريب والصديق بعد زوال الخلافة عن بني أمية، وقتل والدها آخر خلفائهم مروان بن محمد، قالت زينب وكنت في غاية الضيق لما صنعت الخيزران بهذه المرأة التي قست علينا ذات يوم، فعزمت على إخبار الخليفة المهدي بالأمر، ورواية الحادثة له، فعله يؤيد موقفي ويؤنب الخيزران على ما فعلت.

ويا ليتني لم أخبره، فقد ثار غضبه وقال يا زينب أهذا مقدار شكرك لله عز وجل على نعمته وقد أمكنك من هذه المرأة على هذه الحالة التي وصفتها، فوالله لولا مكانك من قلبي لحلفت ألا أكلمك أبدا فما هذه بأخلاق الكرم يا زينب، والله لا يرضيني منك إلا الإعتذار منها والإحسان إليها، ثم شكر الخيزران على موقفها الكريم، وإمتدحها، ثم تحدث إلى مارية بنت محمد بن مروان قائلا اطمئني فما أنت إلا في بيتك وبين أهلك، وما أنا إلا في موضع أخيك الذي يرعاك ويحرص على راحتك، قالت زينب فتعلمت من الخيزران والخليفة المهدي دروسا في العفو عند المقدرة، وراجعت نفسي، وأعلنت توبتي إلى ربي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى