اشتعال الحرب و تسريع التفتت الداخلي.. تكلفة إقالة يوآف جالانت ستدفع بالكيان للهوة
انقسام و تخطيط مسبق …ما قبل مكالمة الإقالة !!
كتب: مصطفى نصار
فؤجئ الجميع أثناء انشغالهم بمتابعة و مشاهدة الانتخابات الأمريكية، بخبر صاعق و غير مسبوق داخل كيان الاحتلال الإسرائيلي، ممثلًا في إقالة وزير الحرب السابق في مجلس الوزراء يوآف غالانت الذي امتدت وزارته لمدة عام على أكبر و أكثر عمليات الإبادة وحشية في تاريخ العالم الحديث. و يرجع سبب الإقالة لتأكل الثقة و الاختلافات على عدة ملفات حيوية و هامة على رأسها تنفيذ خطة الجنرالات و إعادة احتلال غزة عسكريًا و أمنيًا مجددًا لإنه سيوفر إحكامًا صلبًا للقطاع و قضاء شبه نهائي للاحتلال على المقاومة.
بدأت قصة إقالته بتخطيط مسبق من ٢٩ مايو السابق ،حينما لوح رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي برغبته الملحة و العميقة لإقالته و استبداله بعضو حزب الليكود جدعون ساعر المتطرف إلا أن تلك الرؤية كانت غير جاهزة للتطبيق لأمرين أولهما وجود بيني غانتس و أفي لأفكرانت في المجلس الحربي ، فلو أقاله كان سيفتت الحزب و يقاد انقلاب ضده بفعل المعارضة ، و لم يوفر المناخ التام للتوافق التام و السيطرة الكاملة الذي يريدها نتنياهو في تلك الفترة بإلاضافة لعدم وجود سبب كافي لإقالته مثلما حدث بينهما قرابة شهرين حول تجنيد الحريديم ، و هي طائفة محافظة دينيًا يصرف عليها فقط لدراسة الكتاب المقدس و التلمود و لها امتيازات غير عادية مثل المنع من التجيند الإجباري ، و التعليم المجاني منذ الإبتدائي حتى الجامعي .
فزادت ثقة جالانت آنذاك للمجيء على الخطوط الحمراء بعد قرار المحكمة العليا الإسرائيلية في منتصف أغسطس الماضي ، منتهيًا باتخاذ القرار بتجيند ٧ آلاف من الحريديم يوم الاثنين الماضي ٤ نوفمبر ، فضلًا عن تعطيل أحلام و آمال نتنياهو و متطرفيه بمجرد حرب لا نهائية شعواء تحقق لهم آمالهم الكبرى باختلاق إسرائيل الكبرى من النيل للفرات .
فلم يراعي مصالح الحكومة المتطرفة ا
لتي تدير الأمور الحربية مثل بن غفير، الذي أكد أن جالانت لم يعد ذات ثقة ، و سمويرتيش الذي صرح أن الدولة الذي يطمح لها تضم مصر و الأردن و السعودية ، بالإضافة للضفة الغربية ، فنتيجة طبيعية و بديهية للغاية أن يفرح و يحتفي المتطرفين بإقالته و على رأسهم بن غفير الذي قال أنه “المبادئ القديمة عليها ألا تستمر” في وجود جالانت في حين اعترض آخرين معتبرين أن نتنياهو يعمل لصالح مصالحته الشخصية و إطالة أمده في السلطة للهروب من المحكمة الذي سيواجهها حال توقف الحرب منهم أفيغرو لبيرمان وزير الحرب الأسبق ، و يائير لابيد زعيم المعارضة الإسرائيلية ، و كذلك بيني غانتس الذي اعتبر أن تلك سياسة أعلى و تسبق سياسة الدولة ، و هذا ما وجد كذلك بصورة أعمق و أكثر تشابكًا و تعقيدًا لدى أهالي الأسرى ال١٠٤ الذين اعتبروا أنها تضحية بذويهم دون تحديد معاد محدد لصفقة التبادل التي تبدو أنها صارت بعيدة المنال .
و ثمة ملفات عديدة اختلف عليها شريكي الإبادة منها صفقة تبادل الأسرى الذي رأى جالانت أن سرعة إتمامها يسهم في إكمال أكثر سهولة للحرب ، بينما يري نتنياهو أن تلك الخطوة منجزة و ستنصر حماس و تعيد قواتها . و لذا ، فإن الحل الأمثل لتلك المعضلة من وجهة نظر رئيس الوزراء الصهيوني نتنياهو يتجلى في القضاء النهائي على حماس باستمرار الحرب اللانهائية، و الذي بذلك التفكير المغلق فقد السيطرة عليها وفقًا للعديد من المحللين على رأسها الأستاذ بجامعة نيويورك.
أما الملف المفصلي في الأمر الخلاف حول النسخة المحدثة من خطة الجنرالات العسكرية التي تتضمن احتلال عسكري و أمني للقطاع بالكامل بشكل كامل يمتد لمحور صلاح الدين فيما نظر جالانت لتلك الخطة أنها مكلفة و ثمينة للغاية ، لعلمه الجازم أن حماس يستحيل القضاء عليها لمجرد إعادة احتلال القطاع عسكريًا ، متمثلًا في توالي الكمائن المتقفنة و الفنية و الفاضحة لفشل جيش الاحتلال الإسرائيلي
و بهذا الانقسام ، تلقى جالانت مكالمة هاتفية أول أمس الثلاثاء ٥ نوفمبر من نتنياهو يقيله بها من منصبه .
مزرعة المتطرفين التي ستكتب نهاية الاحتلال الإسرائيلي: تبعات ما بعد إقالة جالانت .
بهذه الإقالة لجالانت ، يكون نتنياهو قد أبدل المؤيد بالمعارض ، معينًا بذلك وزير الخارجية السابق يسرائيل كاتس و عين جدعون ساعر وزيرًا للخارجية بدلًا منه . و سجل هذين حافل بالمشاحنات و الاشتباكات المتطرفة على الفضاء الإلكتروني و خارجه لا تخلو من نبرتي التطرف و الاستعلاء الخاصة بهم في حزب الليكود اليميني .
فهكذا قد حوط نتنياهو أيضًا السياسة بالأكمل بالفاشية المتصهينة ، و هي بالمناسبة أسوء و أكثر أنواعها تدميرًا فهي تاريخيًا تميل للتطبيق الحرفي لنصوص الكتاب المقدس ، فضلًا عن نهجها الدموي و العنيف منذ أن ولدت على يد المليشيات كالهاجناه و شتيرن .
فجدعون ساعر دائم الدفاع عن سياسات نتنياهو داخل الكينسيت الإسرائيلي، بل إن دفاعه مصحوب بنفس ديني توارتي يعبر به عن أجندة أغلب سياسي الحزب المتطرفة بدء بتنفيذ الاحتلال العسكري لغزة و استيطانها ،فضلًا عن تنفيذ خطة الجنرالات بطرد سكان غزة لمصر ، و الاستعانة بالطبع بالحريديم لتطويع النص الديني ، و رقاه لرتبة وزير الخارجية لأكثر حكومة يمينية متطرفة في تاريخ الكيان اللقيط .
أما فيما يتعلق بكاتس ، فحدث ولا حرج لإن تشاجر مع عدة شخصيات عامة و دولية بدء من رئيس تركيا مرورًا بالأمين العام للأمم المتحددة أنطونيو جوتيرش و المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان ، متخطيًا بذلك كل الحدود الدبلوماسية و الناعمة كأنه ارتدى عباءة الاستحقاق و الجنون و الغطرسة الصهيونية المعتادة ، بالإضافة لعدم خوضه حروب كثيرة و مستمرة . و لذا ، يفتقر الوزير الجديد الخبرة الحربية المطلوبة ، و من أشد المنصرين لإكمال الحرب حتى لو كلفته هذه الحرب المشروع الصهيوني ذاته .
و بهذه الخطوات المتسرعة و الراديكالية ، يحول نتنياهو تلك الحرب الوجودية من حرب دولة على حافة الانهيار لحرب شخصية انتقامية براجماتية مع حماس و الشعب الغزي بكافة أطيافه. فكما كسرت المقاومة نظريات الأمن الإسرائيلية و غيرت العالم على مستوى السياسة و الاقتصاد و الاجتماع ، تركت نتنياهو بين خيارين إما الإكمال ثم السقوط و إما الانحدار فالسقوط المدوي ، أي وضعته في خانة مميتة من معادلة صفرية .
بالإضافة لما سبق، فإنه ينافح كذلك بالتفتت الاجتماعي المستمر و المدوي ليس فقط رسميًا ، بل أيضًا على المستوى الشعبي . و لا طيلة لدليل أوضح من هذا التفتت الملحوظ و الفج تظاهر الآلاف من المستوطنين إما للضغط عليه للتقدم في ملف الأسرى و إما تلبية لموقف بعض العسكرين و الساسة الذين دعوا للتظاهر احتجاجًا على إقالة جالانت ، مما أدى لرد عنيف و قوي من الشرطة .
إن كل الدلائل تثبت سريان هذا الكيان اللقيط نحو الهوة السحيقة ، مثله مثل أي استعمار عبر التاريخ. و من ثوابت التاريخ أن كلما زادت وحشية الاستعمار قربت نهايته مثلما أكد مسبقًا الدكتور عبد الوهاب المسيري.