منوعات

إياكم والتفكير في الطلاق 

جريدة مصر الساعة

بقلم / محمـــد الدكـــروري

الحمد لله أحاط بكل شيء خبرا، وجعل لكل شيء قدرا، وأسبغ على الخلائق من حفظه سترا، أحمده سبحانه وأشكره وأتوب إليه وأستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، أرسله إلى الناس كافة عذرا ونذرا صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه، أخلد الله لهم ذكرا وأعظم لهم أجرا، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلي يوم الدين ثم أما بعد لقد كان الطلاق في الزمن الماضي له مقاييس ومعايير مختلفة تماما كل البعد عن المقاييس والمعايير الحالية، فلم يكن معهودا أن يكون شكل المرأة أو الرجل سببا في الطلاق لأن القناعة ملأت قلبيهما، فالرجل قد رضي بإختيار أمه أو أخته والمرأة رضيت بموافقة ولي أمرها، ولم يكن الشكل الهدف النهائي الذي تسقط عنده كل الخيارات الأخرى.

كان الرضا بالحل الوسط هو الذي يطغى، فلا تطرف في هذه المسألة، وكلا الطرفين يرضيان بالمقسوم، ولم يكن معهودا أن يكون راتب المرأة سببا في الطلاق لأنه نادرا ما كان لها دخل، وإذا كان فالذي يحدث أن توظف المرأة ما بيدها من دخل لصالح بيتها وأسرتها، فتلك التي تغرس أو تحرث أو تخدم في بيوت جيرانها أو تخيط أو تطحن أو تعلم القرآن أو القراءة أو تحلب أو تبيع ما أنتجته يدها من أعمال يدوية إلي آخرة، ولم تكن تدخر ما تملكه لها وحدها، ولم تكن تنفرد به لأنها تدرك أن الزواج ليس شركة مالية وهذا لي وهذا لك، وهذه أسهمي وتلك أسهمك، بل كانت ترى الزواج مؤسسة إجتماعية هي تعني هو، وكلاهما يعنيان نحن، ولم تكن الأنا موجودة آنذاك.

ولم يكن معهودا كذلك أن تتهاوى البيوت وتستحيل نارها رمادا لغياب رب الأسرة عن بيته شهورا، بل سنوات في سعيه لطلب الرزق، فقد كان منتشرا في بعض المناطق أن يسافر الزوج من منطقته إلى بلاد بعيدة وكانت مسافة السفر ذهابا تأخذ زمنا يقدر ويقاس بالشهور وليس بالساعات ومثلها طريق العودة، وحين يغيب الزوج عن منزله شهورا، بل سنوات، تمكث المرأة في منزلها راعية لبيت زوجها، حافظة لفراشه، ساهرة على أولادهما، تكون لهم أبا وأم في الوقت نفسه، تشتعل في صدرها جذوة الشوق لزوجها والد أبنائها، تلوح بالأمل بين فينة وأخرى على طيفه يمر، تطوي الأيام تلو الأيام، والشهور في إثر الشهور، والسنوات تجرّ خلفها السنوات، وليس لها إلا راية الوفاء ترفعها على سارية الذكرى.

وحين تقترب عودة الزوج، رب الأسرة أبو العيال حينئذ لا تسأل عن الشوق الذي يعمر قلب الزوجة، سنوات مضت حافلة بما فيها من ذكرى وشجن، فهذا الولد الذي تركه يحبو هل سيعرفه وقد غدا صبيا عتيا؟ وتلك الزوجة التي تركها شابة نضرة هل سيعرفها وقد خط البعد والفرقة تعاريجهما علي وجهها؟ ورغم مرور تلك السنين، إلا أن الزوجة لم تكن تفكر مجرد التفكير في الطلاق، بل تكون دوما بين عامين، عام يمضي لا تزال ذكرى زوجها عابقة فيه، وسنة ستأتي لعلها تكون آخر مرحلة من مراحل السفر، حين يرخي الليل سدوله، وينوخ الجمل بحمله ويلتقي البحر بأشعة الشمس الآفلة، حين تنطفئ جذوة الشوق لتشتعل جذوة اللقاء والوفاء، حينها تنسى الزوجة كل تلك السنين تغدو لحظة عابرة ومضة شهاب في سماء الانتظار.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى