اخبار عالمية

أوراق مبعثرة و حسابات مدربكة.. العلاقة الإيرانية بحزب الله من النشأة حتى الآن

كتب: مصطفى نصار

حزب الله بصفته ذراع إيران الأكبر و الأكثر تعقيدًا في المنطقة.

إن علاقة إيران بحزب الله تتمدد لتقارب علاقة الأم بابنها ، لارتبطه الوثيق بها منذ النشأة حتى الإرباك الأخير بتفجير أجهزة البيجر و اغتيال الصفين الأول و الثاني ، و لعل هذه العلاقة و الدعم هو المانع الوحيد لانهيار الحزب منذ أكثر من ٣٩ عام .

فدعمت إيران المباشر من أول العقيدة المستمدة من روح الله الخميني حتى تبني بعض القادة تلك العقيدة الممثلة بولاية الفقية مثل هاشم صفي الدين المرشح الأكثر ترجيحًا لتولي قيادة الحزب .

بدأت تلك المرحلة عند توسع الحرب الأهلية ، بدرجة كبيرة ؛ بانحياز حركة أمل العلمانية ذات التوجهات الشيعية في الدين فقط ، بل و إن بلغت ببعض أعضاء الحركة بالانضمام و التحالف المشين مع الاحتلال عام ١٩٩٣ ؛على رأسهم بشير الجميل رئيس حزب الكتائب الذى أدى مقتله لاشتعال مجزرة صبرا و شاتيلا عام ١٩٨٣ م .

فأنشا الحزب كنتيجة للفراغ السياسي و العسكري ظهيرًا للشيعة ، فقام المدعو عباس الموسوي و حسن نصر الله و صبحي الطفيلي بإنشاء و تأسيس الحزب ليكون مقاومة ضد الإسرائيلي و ذراع إيران اللبنانية ، و لذلك نجد قائدهم بأقل تقدير و رصد متقلين تعاليم الدينية في إيران، و تحديدًا في مديتني قم و طهران ذات السمعة العالية بالنسبة لهم في تعليم الحوزات ، مما أدى للحزب بخسارة الشعبية و خلق عداء و نيران في القلوب لدعم إيران ؛ و بالمثل الحزب ، ضد الشعب السوري .

و كما أن لن يفوت أي فرصة لإثبات الحزب ولائه الأصيل لإيران ، حتى بلغ بنصر الله أن أصبح مندوب الحزب الممثل إيرانًا في لبنان عام ١٩٩٩ ، و أتقن اللغة الفارسية بجدارة و تدرج بسرعة في الحزب منذ نشأته، إلي أن أصبح الرجل الثاني في الحزب . و للمفارقة الصارخة ، عُزل الأمين العام الأول للحزب صبحي الطفيلي لرفضه التوغل لتنفيذ المصالح الإيرانية لصالح سوريا آنذاك؛ أي أن الطفيلي خذل إيران من أجل تحقيق توازن قوى بين سوريا و لبنان و إيران .

و خفف التركيز المبالغ فيه لإيران ، لكوارث محققة ، منها معرفة تفاصيل الحزب و دخول جواسيس للاحتلال ، و إعطاء الوقت له لدراسة و تحليل البنية السياسية و الحزبية للحزب . لذا ، تفجير أجهزة البيجر و اغتيال القادة يبدو نتيجة حتمية للاختراق غير المسبوق و الاستثنائي في الحزب . و قد اعترف المرشد الإيراني باختراق إسرائيل الكبير في نظام بشار الأسد ، لذلك يبقى السؤال أرمى الحزب في معركة خاسرة في الأساس أم أن مصالح إيران التقيت مع مصالح الغرب و إسرائيل في إبقاء نظام الأسد على رأس السلطة ؟

و تقتضي الإجابة المختصرة بمدى ارتباط الغرب و الإيرانين عضويًا بابقاء النظام وافقًا حتى و لو كان على ركام من الجثث و أنهار من الدماء ، لتثبت الإجابة بالإيجاب بحماس كبير و فائق دفع حركة حماس نفسها لنقل مقرها السياسي لدولة قطر ، و إدانة المجازر السورية /الإيرانية المتمثلة في حزب الله بنفس الحجة ألا و هو محاربة التكفيرين دون مراعاة الاهتمام أو حتى أقل انتباه للتنسيق السوري الوثيق مع إسرائيل على حكم الجولان بدرجة جعلت الصحفي الفرنسي من أصل مصري آلان غريش يصف الجولان بالمستعمرة الإسرائيلية المتفق عليها .

تثاقل الخطى :أقدمت إيران حزب الله قربان للاتفاق النووي؟

منذ ٢٠٢٠ ، شهدت علاقة إيران بالولايات المتحدة توترًا ملحوظًا بسبب عدة أسباب معقدة و مركبة أهمها و أكثرها عمقًا اغتيال قاسم سليماني في بغداد ،و تملل رئيس الولايات حينذاك ترامب بشأن إقرار الاتفاق النووي ، مما اضطر إيران للعب لصالح مصالحها و إقرار الاتفاق .

و من ضمن تلك الألاعيب الحقيقة تخفيف دعمها لأذرعها في المنطقة، و على رأسها حزب الله اللبناني الذي صار الاتصال بينهما للدعم المعنوي و المادي الخفيف المعتمد ، و هو ما يدلل عليه بيير فيللو أستاذ علم العلاقات الدولية حينما وصف تلك الحالة بالخريف الإيراني في لبنان ، مما زاد شبهة التخلي التدريجي عن الحزب عند مواجهته مع إسرائيل.

و هو ما حدث بالفعل جزئيًا حينما لم يتمكن من تخفيف أو خلق مخرج آمن لعقد الاتفاق سوى تقليل الدعم له ، و عدم الرد عليه عام ٢٠٢١ أثناء عدوان الاحتـ.ـلال على غزة ، و كذلك في أحداث الشيخ جراح في الضفة الغربية . و للمفارقة، تتميز كل معارك إيران منذ قيام الثورة الإيرانية بالزيبقة و الرمادية مع الغرب و إسرائيل، برغم من عداء حزب الله الظاهري و المعلن لإسرائيل.

و لعل هذا ما ذكرته الدراسات الأكاديمية لإيران ، التي تميل لتعامل إيران المباشر مع الأزمات المتعلقة بحزب الله و الحوثيين ببراغماتية محضة و عملية خدمية مبررة . ففي دراستي مختلفتين للمعهد الدولي للدراسات الإيرانية، و المعهد الملكي للأمن الدولي تشاتام هاوس ، تربط كلاهما العلاقات الإيرانية الإسرائيلية و الأمريكية بالصمت و السكوت الإستراتيجي الذي ما ثبت إلا أنه تحول لهزيمة و خسارة إستراتيجية فادحة في عدة هجومات و اختراقات إسرائيلية لإيران أهمها و أخطرها الاختراق الحادث في محافظة نظير الإيرانية في فبراير ٢٠٢٢، و الذي أحدث زلزلًا إيرانيًا في الداخل ، مما قد يكون قد غير عقيدة إيران الخارجية تجاه أعدائها .

عطفًا على ذلك، جاءت هذه العلاقة المهدنة مع الأعداء أصل في التاريخ الإيراني، و المثال الأكثر حضورًا دائمًا على البال هو هجوم الفرقطات الأمريكية m7_809 في غمار حرب الخليج الأولى لتهديدها لمضيق هرمز، و خوفها من إغلاقها الممر المحلي الهام . و يرتبط الهجوم الثاني بهجوم الغواصة الأمريكية قرب سواحل الكويت خوفًا من احتمالية ضرب السواحل الإيرانية في أبريل عام ١٩٩٤ ، و اعتبره حلفاء إيران في المنطقة دفاعًا عن المنطقة و حماية للأمن القومي الإيراني ، و ذلك أس من أساس التعامل الإيراني في المنطقة العربية كلها ، و ظلت محافظة عليه فيما عدا الثورة السورية منذ العام ٢٠١٢ .

ختامًا ، هيأت إيران سياسيًا و إقليمًا نفسها لتكون حالة غريبة و شاذة ، لكن استطاعت من خلال سياسة الأذرع الخارجية أن تصبح قوة إقليمية و نووية يهابها الجميع ، و تستطيع أن تلعب ألاعيب سياسية و عسكرية خفيفة مع الحفاظ على صمتها المريب و المعيب في الوقت ذاته .و يظل السؤال مطروحًا هل تشعل إيران المنطقة من أجل حزب الله أم أنها ستظل محافظة على سياستها خصوصًا مع إعلان الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان أن أمريكا و إيران أخوة في كردستان الشرقية و اختباء المرشد الأعلى في مكان أمن ؟ . بالإضافة لطرح سؤال ملح آخر في الأقق و هو يتعلق بنية إسرائيل جر إيران للحرب الشاملة معها مما يورط المنطقة العربية كافة في مآلات و توابع كارثية و تدخل المنطقة في سيناريوهات غير محتملة ؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى