“بسكو مصر”.. صفقة “برخص التراب” تكتب فصلًا جديدًا في تاريخ شركة من ذاكرة المصريين

شهدت البورصة المصرية مطلع الأسبوع الجاري تنفيذ صفقة استحواذ كاملة على أسهم شركة “بسكو مصر”، إحدى أقدم الشركات العاملة في مجال الصناعات الغذائية في مصر، لصالح شركة “نايل فالي” التابعة لمجموعة “هائل سعيد أنعم وشركاه” اليمنية، وذلك مقابل 241.03 مليون جنيه مصري، بما يعادل نحو 4.84 مليون دولار أمريكي.
وبلغ سعر شراء السهم في الصفقة نحو 1.46 جنيه، وهو رقم أثار الكثير من الجدل نظرًا لما تمتلكه الشركة من أصول ومقومات إنتاجية ضخمة، تشمل 3 مصانع، وأكثر من 20 خط إنتاج، بالإضافة إلى شبكة توزيع تضم أكثر من 40 منفذ بيع على مستوى الجمهورية.
صفقة بثمن بخس مقارنة بالقيمة الحقيقية
الصفقة الجديدة تأتي بعد حصول “نايل فالي” على موافقة جهاز حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية في نوفمبر الماضي، للاستحواذ على نحو 98.6% من أسهم الشركة عبر عرض شراء إجباري موجه لمجموعة “كيلوج” الأمريكية (التي غيرت اسمها إلى “كيلانوفا”)، والتي كانت المساهم الرئيسي في بسكو مصر.
ومن اللافت أن “كيلوج” كانت قد استحوذت على نحو 89.9% من أسهم الشركة في عام 2015 في صفقة بلغت قيمتها آنذاك نحو 124.2 مليون دولار، بسعر 89.86 جنيه للسهم الواحد، بعد صراع استثماري حاد مع شركة “أبراج” الإماراتية التي عرضت سعرًا مقاربًا. بالمقارنة، فإن سعر السهم في الصفقة الأخيرة لا يتجاوز 0.029 دولار فقط، ما يمثل تراجعًا كبيرًا في قيمة السهم.
خسائر متراكمة.. وأصول ضخمة
تأتي الصفقة الجديدة بعد أن سجلت “بسكو مصر” خسائر متتالية خلال عامي 2022 و2023، فيما بلغت مديونياتها بنهاية العام الماضي نحو 365.55 مليون جنيه. رغم ذلك، لا تزال الشركة تملك محفظة أصول كبيرة، منها أراضٍ كانت تُقدّر قيمتها بنحو 900 مليون جنيه في عام 2014، وهو ما يثير تساؤلات حول تقييم الصفقة الجديد ودوافع التخارج السريع من قِبل المستثمر الأجنبي.
ويعزو عدد من المحللين هذا التراجع في تقييم الشركة إلى عوامل اقتصادية أوسع، أبرزها الانخفاض الحاد في قيمة الجنيه المصري، بعد سلسلة من قرارات تحرير سعر الصرف، كان آخرها في مارس 2024 عندما فقد الجنيه أكثر من 60% من قيمته أمام العملات الأجنبية.
تقييم السوق المصرية
في تصريحات خاصة لـ”تليجراف مصر”، أكدت خبيرة أسواق المال منى مصطفى أن تراجع قيمة العملة المحلية ساهم في جعل السوق المصرية أكثر جذبًا للمستثمرين الأجانب الباحثين عن فرص استحواذ منخفضة التكلفة. لكنها نوهت في الوقت ذاته إلى أن العديد من الشركات المدرجة بالبورصة يتم تداولها حاليًا بأسعار لا تعكس قيمتها الحقيقية، ما يفتح الباب أمام مزيد من صفقات الاستحواذ التي قد تُفقد السوق عددًا من علاماته البارزة.
“بسكو مصر”.. من قطاع عام إلى ملكية أجنبية
تأسست شركة “بسكو مصر” عام 1957 ضمن توجه الدولة لتعزيز الصناعات الغذائية المحلية، وكانت توفر وجبات مدرسية وأغذية للجيش، قبل أن تنتقل إلى القطاع الخاص في إطار برنامج الخصخصة عام 1999، وتتخارج الحكومة نهائيًا منها بحلول عام 2005. وفي عام 2018، قررت الشركة شطب أسهمها اختياريًا من البورصة.
ومع أن “بسكو مصر” شهدت تطورات متعددة في ملكيتها، فإن اسمها ظل محفورًا في ذاكرة الأجيال المصرية بمنتجات مثل “بسكوت ماري”، و”لوكس”، و”الغريبة”، وغيرها من المخبوزات التي ارتبطت بذكريات الطفولة.
خطة توسع جديدة
من جانبه، أكد منير هائل، عضو مجلس إدارة مجموعة “هائل سعيد أنعم وشركاه”، أن الاستحواذ على “بسكو مصر” ينسجم مع استراتيجية المجموعة التوسعية في قطاع الصناعات الغذائية، مضيفًا أن العلامة التجارية العريقة ستظل محافظة على هويتها المصرية، مع العمل على تطوير خطوط الإنتاج وفتح آفاق جديدة للنمو.
وتعمل المجموعة في السوق المصرية من خلال عدة شركات تابعة، أبرزها “آرما” للصناعات الغذائية، و”سي باك” للكرتون، و”جلوبال جلاس” للزجاج، ما يعزز قدرتها على دعم “بسكو مصر” فنيًا ولوجستيًا خلال المرحلة المقبلة.